https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

 كتبتُ هذه المادة قبل سبع سنوات ونشرت في كتابي “لقاءات مع قادة من آسيا “

المؤلف : محمد خير الوادي

 

التقيت مهاتير محمد عدة مرات ،مرتان  كصحفي في كوالا لامبور عندما كان رئيسا لوزراء ماليزيا، وعدة مرات في الصين كمشارك في منتدى بوآو، الذي  اسسته بكين بديلا آسيويا لمنتدى دافوس الاوربي.تميز مهاتير بقدرات غير عادية في الادارة والتنظيم واستشفاف المستقبل والتصدي للازمات . ودخل  تاريخ بلاده من ثلاثة ابواب واسعة: الاول كموحد للشعب الماليزي ، والثاني كصانع لنهضة بلاده الحديثة ، والباب الثالث كانموذج سياسي  يحتذى من حيث غزارة الخبرة واستقامة السلوك  ونظافة اليد وعبقرية الفكر  .

جرى اللقاء الاهم نهاية عام1999 ،وكان الرجل منهمكا في التصدي لذيول أخطر ازمة مالية ضربت ماليزيا  عام 1997 وهددت وجودها . وقد اخبرني مدير مكتبه بان على التواجد في مبنى مجلس الوزراء عند الساعة الخامسة و45 دقيقة صباحا .حاولت الاستفسار عن سبب هذا التبكير ، لكن المتكلم  على الطرف الآخر من  الهاتف واصل كلامه بسرعة واعلمني  بان د. مهاتير بانتظارك الساعة السادسة صباحا ، وهذا كان كافيا لاخماد  حيرتي . في الوقت المحدد دخلت مكتب رئيس وزراء ماليزيا الذي كان يرتدي بدلة عمل بنية   ثبتت على صدرها الايمن قصاصة قماشية بيضاء كتب عليها باللغة الانكليزية : د مهاتير محمد .استقبلني الرجل بحرارة ، وبادرني للقول ، بان يحمل ذكريات جميلة عن دمشق التي زارها مطلع الخمسينات ، وانه دهش لعدة امور في المدينة : النظافة  وحب العمل والتسامح الدينيى ، وهذا ما كانت  ماليزيا بامس الحاجة اليه .

سألته  متى يأتي الى المكتب كل يوم ، أجاب : فىي الخامسة والنصف  صباحا . وحول التزام بقية اعضاء الحكومة بهذا الوقت المبكر اجاب : في البداية لم يلتزم الجميع ،  وكنت اتصل بهم  عندما ادخل المكتب . وكان عدم وجودهم يسبب لهم احراجا كبيرا ، فرئيسهم في العمل يأتي قبلهم ويتصل بهم وهوم متأخرون . بعد عدة أيام سادت حالة مثالية من الالتزام ببداية الدوام وباللباس الموحد للمسؤولين الكبار مع ذكر اسمائهم .وانا – والقول لمهاتير – أومن باهمية  القدوة الحسنة. فاذا كان رأس العمل منضبطا ونظيف اليد والسلوك وصاحب مبادرات خلاقة ، فان هذه القيم ستجد طريقها الى اجهزة الدولة بسهولة .

وعاد مهاتير  لشرح اهمية زيارته الاولى عندما كان طالبا  لدمشق .قال ، لقد عانت ماليزيا من مخلفات الاستعمارين الياباني والبريطاني . واهم مشكلة  اصطدمنا بها كانت الصراعات الدينية وتخلف الملاووين والظلم الذي اصابهم والسعي لنعت مسلمي البلاد بالجهل والتخلف . وهذه التناقضات انفجرت في صدامات عرقية دموية عام 1969 ، كادت تنقلب الى حرب اهلية شاملة .لقد دأب الاستعماريون على تركيز الثروة والسلطة بيد الاقليتين الصينية والهندية اللتين جلبتا الى البلاد  لتغيير الطابع السكاني المسلم،وحرمان  السكان الاصليين واعني المسلمين الملاووين من ذلك، وتعويدهم على الكسل .وكانت ذرائع الاستعماريين الاساسية ان المسلمين غير صالحين للتقدم ، وان الاسلام هو دين تطرف وعنف وهو لا يعترف بالاخرين .لقد وجدت – وكنت طالبا انذاك –في زيارتي لدمشق  في خمسينات القرن االعشرين ،الاجوبة الشافية التي بحثت عنا . فقد دهشت عندما رأيت ضريحا لاحد انبياء المسيحيين في قلب الجامع الاموي ، وشاهدت كيف تتجاور المساجد والكنائس ، وقيل لي آنذاك ، ان رئيس وزراء سورية  البلد المسلم ،كان مسيحيا. هذا اولا ، وثانيا – والكلام لمهاتير – لمست حب الدمشقيين للعمل وحرصهم على الانتاج والحد من الهدر والاسراف . وسألت رجال الدين السوريين آنذاك :  كيف تم زرع هذه القيم في نفوس الناس ، فاجابوني من خلال التربية الاسلامية الصحيحة ، فالاسلام يحث على العمل والعلم وعدم التطرف والاسراف . سألته وكيف طبقتم ذلك في ماليزيا .اجاب : جمعت علماء المسلمين لدينا وطلبت اليهم المساعدة في حث الناس على الانتاج والعمل والعلم وادخال مفهوم اسلمة التنمية  . وانت ستزور بعض المؤسسات وسترى ذلك .ثم ان  الدروس التي استفدت منها في دمشق وتجلت في التسامح الديني ،ساعدتني على حل المشكلة الطائفية العرقية في البلاد وبناء وحدة وطنية صلبة .

واضاف مهاتير :واول خطوة في هذا الاتجاه تجلت  في السعي الى المصالحة الدينية ، بين المسلمين الذين يمثلون 60%من سكان البلاد والصينيين والهندوس  وغير المتدينيين.وكان الشرط الاساسي الذي آمنت به لتحقيق ذلك  هو  بناء عدالة في توزيع الثروات وفي قيادة البلاد، وعدم السماح باحتكار الثروة والسلطة . وحرصت على بث روح التسامح والتعاون التي لمستها في دمشق يداية خمسينات القرن العشرين في ماليزيا . والحمد لله – والكلام لمهاتير – فان ذلك تحقق اليوم بنسبة جيدة . والخطوة الثانية لتحقيق الوحد الوطنية كانت  انتزاع السلطات المطلقة من سلاطين الولايات المختلفة التي كانت سائدة خلال السنوات الأولى لما بعد الاستقلال، وذلك عبر إجراء تعديلات دستورية جعلت من هؤلاء السلاطين مجرد رموز وطنية بحيث لم يعد من حق السلطان حل البرلمان المحلي  وتعيين حكام الأقاليم، وفي الوقت نفسه سمحنا للسلاطين الاحتفاظ بحقوقهم ومخصصاتهم المالية، وبنينا سلطة مركزية حافظت على وحدة البلاد.

 

وسألته عن الازمة المالية واجراءات حكومته للتصدي لها ، أجاب : لقد غضب الغربيون من التقدم الكبير الذي حصل في ماليزيا، التي اثبتت ان التخلف ليس قدرا محتوما على  الدول الاسلامية. غضبوا لاننا رفضنا الانصياع لشروط البنك الدولي المجحفة ، وغضبوا ايضا لاننا نمارس سياسة مستقلة تخدم وطننا والمسلمين كلهم .ولذلك تآمر الغربيون علينا وقرروا تدمير  نظامنا المالي ، وأوعزوا  لتنفيذ هذه المهمة للمضاربين وعلى رأسهم شخص يدعى سورس. لقد هرٌب هؤلاء مئات المليارات من عملتنا الوطنية الى الخارج ، وتواطؤوا مع بعض البنوك لضخ ارصدتنا من العملات الاجنبية الى الخارج .  ونتيجة لذلك باتت البلاد على شفير الهاوية . وأول اجراء كان الطلب من هؤلاء المضاربين اعادة   الرينجكت المهرب ( العملة الوطنية )الى البلاد واعطيناهم مهلة زمنية محددة اذا لم يلتزموا بها فاننا سنغير عملتنا الوطنية وستصبح ملياراتهم من الرينجكت عبارة عن اكوام من الورق لا قيمة لها . كما ضبطنا عمل المصارف ووضعنا سياسة صارمة لاخراج القطع الاجنبي وشجعنا الى اقصى الحدود على الاستثمار الاجنبي لا سيما الياباني  ، وفتحنا جبهات عمل هائلة لامتصاص البطالة ، وشجعنا على الانتاج الوطني ، ورفعنا الرواتب والاجور لتشجيع الاستهلاك المحلي ،ونظمنا خطة شاملة ومدروسة للخصخصة ترتكز على الشفافية الكاملة مع الحفاظ على اليد العاملة في المؤسسات التي سيتم خصخصتها ،خاصة الخاسرة منها ،مما ساهم إلى حد كبير في تخفيض حجم الديون العامة للدولة  ، وقد اسهم ذلك كله في تعزيز ورفع كفاءة ومستويات اداء مؤسسات الدولة. لقد حرصنا على  اقامة اقتصاد معرفي رشيق وربينا الكوادر اللازمة  عبر تأسيس 400 جامعة ومعهد للعلوم وايفاد عشرات الالاف من الطلاب الى اليابان . لقد استفدنا من التجربة اليابانية في تدريب وصقل اخلاقية العمل القائمة على المهارات الاستثنائية والتقنية المتقدمة والآنضباط والنظام وقيم حب العمل والتفاني فيه، وجميعها صفات تستحق ان تحتذى ويستفاد منها.لقد خسرنا من هذه الازمة ما يقارب ال500 مليار دولار ، ولكننا اليوم نقف على قدمينا ونعرف  الى اين نسير وكيف .

في نهاية اللقاء ، اخبرني رئيس الوزراء الماليزي انه سيتم تنظيم جولة لي على بعض المؤسسات لاشاهد كيف تطبق بعض  مقولات ” أسلمة التنمية ”  والتي استقى   الجانب الاخلاقي منها من زيارته لدمشق.كانت البداية من معمل سيارات بروتون التي انشأه مهاتير بالتعاون مع خبرات ورأسمال ياباني . على جدران صالة الانتاج الاساسية علقت لوحات باللغتين العربية والملاوية تتضمن احاديث نبوية شريفة ، مثل “النظافة من الايمان “،”وإن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” ، كما ثبتت لوحات كبيرة  خط عليها باللغة العربية آيات من القرأن الكريم  مثل ” فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا” و” ان المبذرين كانوا اخوان الشياطين ” ، “ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين”  وغيرها،واعلمني مسؤول المعمل، ان دروس التربية الاسلامية التي يتلقاها العمال، تحث على  النظافة وعدم الهدر والحرص على جودة المنتج وعدم الكذب والنفاق ، والتعاون وتقديم المساعدات للمحتاج ،والبر بالوالدين واحترام  القوانين .واضاف المسؤول : لقد دمجنا المفاهيم الاسلامية تلك مع مقولات يابانية حول حب العمل والتفاني فيه والانضباط ، وحصلنا على نتيجة مدهشة  في نوعية العمل والانتاج.

وتكررت الصورة في معامل انتاج الاجهزة الالكترونية وانتاج  بعض انواع من الطائرات  الخفيفة حيث همس لي مدير المعمل بان انتاجهم يسوق في امريكا  اللاتينية وافريقيا ولكن للاسف ليس في الدول الاسلامية !

وسنحت لى فرص اخرى للقاءات مع د .مهاتير بعد ان استقال طواعية من رئاسة مجلس الوزراء الماليزي عام 2003، ولكن هذه المرة في اطار المشاركة في منتدى بوآو الصيني ، والذي كان احد مؤسسيه . وكان مهاتير كريما في تقاسم خبرته الثرة ، في ادارة الدولة  والعلاقات الدولية وخاصة مع الغرب ، الذي حمله مسؤولية التخلف  الذي تعاني منه الشعوب النامية .وقد طرح مهاتير نظريته الخاصة بالتوجه نحو الشرق , لا سيما اليابان .ويعتقد مهاتير أن سياسة الاتجاه شرقاً ستبقى صالحة للاستخدام لفترة طويلة من الزمن ، ويبرر تلك السياسة بالقوة الاقتصادية التي يعتمد عليها الاقتصاد الياباني حيث يتجاوز إجمالي الناتج المحلي الياباني عدة مرات إجمالي الناتج المحلي لدول شرق آسيا مجتمعة ما عدا  الصين‏، وقال انها -أي اليابان – ستظل الرائد والقائد الاقتصادي الأساسي للقارة الآسيوية ، وذلك لأسباب أهمها التطور الصناعي والتقني وطبيعة العلاقة بين العنصرين البشري والإمكانيات المادية وسيادة ظاهرة إحترام القيم الأخلاقية للعمل لدى المواطن الياباني. وتتمحور فلسفة محاضر في الاتجاه شرقاً حول السلوكيات المهنية والإخلاص في العمل والآنتماء واحترام القيم الأخلاقية للعمل مما يستتبع بالتالى تنامي المسؤولية المهنية التي تخلق الإبداع والاستمرار في العطاء والسير في الاتجاه الصحيح، فاليابانيون عند محاضر شعب يحرص على تبني وحماية قيم العمل بصورها المختلفة.

وخلاصة القول إن ماليزيا أصبحت قاعدة صناعية أساسية للمنتجات اليابانية التي أغرقت الأسواق ونافست الصناعات الأوروبية باهظة التكاليف، فكانت المصالح مشتركة بين ماليزيا واليابان التي وجدت في الأولى فرصة لاستغلال الأيدي العاملة الرخيصة

التقيت مهاتير في احدى جلسات المنتدى المذكور التي عقدت في مدينة بوأو الصينية في جزيرة هينان عام 2006، فلما رآني تبسم وقال : العالم صغير حقا ، سألني كيف دمشق ، اجبته جميلة وتنهض. قال : زرتها عام 2003 ، وحرصت على ان اجدد ذكرياتي القديمة ، هل تعلم – والكلام لمهاتير – في كل مرة ازور حاضرة المسلمين هذه – ويقصد دمشق – اخرج بحصيلة وافرة من الافكار التي تعزز قناعتي بان الاسلام قادر على ان يستعيد امجاده ، وان العلة ليست فيه بل في تأويلات  مشوه ادخلها عليه  مدعو العلوم الدينية الفقهية الذين يريدون شدنا الى الوراء  الى الف سنة خلت .ومثل هذه التشويهات يراد منها تعطيل فاعلية  المسلمين وإنتاجيتهم وإبداعهم في الحياة، ولو عمل المسلمون  بتوجيهات القرآن الكريم وابتعدو عن الفرقة والدخول في متاهات التأويلات المتناقضة ، فان  من شأنهم أن يصبحوا  أغنى شعوب الأرض. واضاف : اذكر انني قلت في دمشق :” انني اثق  بأن الأمة الإسلامية يمكنها أن تكون أقوى قوة في العالم إذا توحدت وأحسنت استخدام ثرواتها ومصادرها المختلفة وان على هذه الأمة أن تحتكر العلوم والتكنولوجيا وتكنولوجيا المعلومات حتى تستطيع أن تنافس تقدم الغرب في هذا المجال الحيوي والمهم في هذا العصر”. وهذا موقفي الثابت ، لكن هناك  مشكلة هي ان  بعض الفقهاء يريدون تحويل كل المؤمنين الى رجال دين . ولو  اتبعنا تعاليمهم وبتنا كلنا علماء دين ، فمن سيقوم بتصنيع الطائرات والصواريخ والسيارات وأدوات التكنولوجيا الحديثة؟”، مضيفا أنه “يجب أن يكون هناك مختصون بالعلوم  و التجارة وفي العلوم التقنية الحديثة وفي كل مجالات المعرفة، ولكن على أساس من التعاليم الإسلامية”.واستطرد مهاتير :  ان جزءا من هؤلاء المدٌعين يرى ان السبيل الوحيد لفرض ارائهم هو العنف والتشدد واستعمال العنف باسم الدين واستباحة تعاليمه لتحقيق مصالح شخصية، معتبرا أن الجماعات “الإسلامية” التي تعتمد العنف تفاقم صعوبات دول إسلامية وتشوه الدين. .

قلت له : لقد زرت بلادكم بعد ان سلمتم السلطة ، ولمست تراجعا في شعبية الحكومة وانكماشا في التفاؤل بالمستقبل اثر تقاعدك وانتشار ممارسات  حكومية قد تكون خاطئة .تبسم مهاتيروقال : لقد عملت طيلة العقود الماضية على تحويل ماليزيا الى سويسرا العالم الاسلامي من حيث التقدم والاستقرار . وقد حالفنا النجاح بذلك . واضاف : لقد تقاعدت في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2003 طواعية وعمري 76 عاما لأنني ادركت ان وقتي انتهى،  واعلنت انني لن أتولى أي مسؤوليات رسمية لأنه من المهم أن يتولى قيادة ماليزيا جيل جديد بفكر جديد”.وانا اثق بان شعب ماليزيا لن يسمح لأحد بالتراجع نحو الوراء ، فالانجازات التي تحققت ليست من صنع اشخاص  بل هي مأثرة تاريخية للشعب ،  وانا  اعرف شعب ماليزيا لانني خرجت من بين  فقرائه وكادحيه وقد اتاح لي هذا الشعب ان اتحول من بائع فطائر للموز الى مسؤول اول ،  نظم قدرات الشعب وفجرمواطن عبقريته وابداعه . وعندما تخليت عن مهماتي الحكومية ، فانني سلمت الانجازات العظيمة التي تحققت الى شعب ماليزيا وليس لاشخاص ، ولذلك انا مطمئن بان البلاد التي صنعت المعجزات  ،قادرة على الاستمرار في طريق التقدم والارتقاء

.منذ ذلك التاريخ لم التق مهاتير ، ولكنني اتابع انشطته وادهش من حيويته وقدرته على العطاء  المستمر لخدمة بلاده وهو يناهز الان التسعين عاما .وقد بهرتني بصيرته الثاقبة وقدرته على تجنيد طاقات شعبه وتحويلها الى محرك هائل لا يسير الا الى الامام .اعجبني تواضعه في حياته الخاصة والعامة ، وتقديره لدمشق التي يعتبرها حاضرة الاسلام المستنير وصانعة الافكار لوحدة  المسلمين وتقدمهم  .

 

لمحة عن حياة مهاتير محمد

تولى منصب رئيس وزراء  ماليزيا بين اعوام 1981 و2003. وخفف كثيرا من جراح الماليزيين الاجتماعية والاقتصادية. حفر اسمه في تاريخ ماليزيا بعد أن حولها خلال عقدين من دولة زراعية إلى دولة صناعية صاعدة.

ولد محاضر محمد يوم 20 يونيو/حزيران 1925 في ألور سيتار بولاية كيداه في ماليزيا، لأسرة والدها معلم مدرسة من أصول هندية، ووالدة ملايوية ربة بيت. اضطر لبيع فطائر الموز والوجبات الخفيفة لتوفير الدخل لأسرته إبان الحرب العالمية الثانية، وخلال الاحتلال الياباني لبلاده.

تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي في المدارس، ثم في كلية السلطان عبد الحميد بمسقط رأسه. التحق بعدها بكلية الملك إدوارد السابع الطبية في سنغافورة (جامعة سنغافورة الوطنية حاليا) وتخرج فيها عام 1953. ثم عاد إلى مقاعد الدراسة في جامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأميركية عام 1967 ليتخصص في الشؤون الدولية.

تبني محاضر التوجه الوطني الإسلامي، ورفض تأويلات الإسلام المعطلة لفعالية المسلمين وإنتاجيتهم وإبداعهم في الحياة، و رأى أن عمل المسلمين بتوجيهات القرآن الكريم من شأنه أن يجعلهم أغنى شعوب الأرض.

 

انتقد محاضر نظام العولمة الغربي وما وصفه بـالدمار الأخلاقي، وحذر من أخطار تلك العولمة المهددة للثقافات المحلية، لأن التجارة تؤثر في الثقافة. ودعا لصياغة نظام اقتصادي ومالي عالمي جديد.

بعد تخرجه عام 1953، عمل محاضر في حكومة بلاده التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، وبعد استقلالها عام 1957 ترك الوظيفة وفتح عيادته الخاصة في مسقط رأيه ألور سيتار.

تولى عام 1968 منصب رئيس مجلس التعليم العالي، وعُين عضوا في المجلس الاستشاري التعليمي العالي عام 1972، ثم رئيسا لمجلس الجامعة الوطنية عام 1974، وفي العام الموالي عُين وزيرا للتعليم.

وفي 15 سبتمبر/أيلول 1978، عينه رئيس الوزراء حسين أون نائبا له ثم وزيرا للتجارة والصناعة. وعقب استقالة حسين أون، تولى محاضر في 16 يوليو/تموز 1981 رئاسة الوزراء.

اهتم محاضر بحياة الناس الاجتماعية وكان أقرب إلى الفقراء، اختير لرئاسة جمعية الطلبة المسلمين في الكلية، ودخل عالم السياسة من بوابة حزب “منظمة الملايو الوطنية المتحدة”، لكن نجمه بدأ في اللمعان مع انتخابه عضوا في البرلمان الاتحادي عن دائرة كوتا سيتار سيلاتان عام 1964.

أثار جدلا كبيرا عام 1970 بإصداره كتاب “معضلة الملايو” انتقد فيه بصراحة وقوة شعبه، ودعاه للعمل وإحداث ثورة صناعية. عُين عام 1973 عضوا في مجلس الشيوخ، غير أنه تنازل عن العضوية بالمجلس للمشاركة في الانتخابات البرلمانية 1974 وفاز بها. وفي العام الموالي انتخب مساعدا لرئيس حزب “منظمة الملايو الوطنية المتحدة” ثم نائبا له 1978 قبل أن يصبح رئيسا للحزب 1981.

في 16 يوليو/تموز 1981، تولى محاضر محمد منصب رئيس الوزراء بعدما استقال حسين أون لأسباب صحية، فبات صاحب قرار في البلاد يمكنه من تنزيل تصوره لتطوير بلاده، وما نادى به في كتابه.

أعطى الأولوية للتعليم والبحث العلمي في أجندته الحكومية فخصص له ميزانية كبيرة، واهتم بمحو الأمية وتعلم اللغات، وبالتدريب والتأهيل الحرفي والمهني، والبحث العلمي بإرسال نخبة من الطلبة الماليزيين للدراسة في الجامعات الأجنبية.

كما أدخلت الحكومة الماليزية في عهده الحاسب الآلي ووفرت شبكة الإنترنت في أغلب المدارس الماليزية، وأنشأت مدارس ذكية تتوفر على مواد دراسية تساعد طلابها على تطوير مهاراتهم بمواد متخصصة في شبكات الاتصال وأنظمة التصنيع، حيث تم إنشاء أكثر من أربعمائة معهد وكلية جامعية خاصة، وتقوية العلاقة بين مراكز البحوث والجامعات والقطاع الخاص.

أدخل محاضر بلاده -بإصلاحاته في التعليم ومناهجه وأهدافه- مرحلة التصنيع في التسعينيات، فأثبتت وجودها وباتت قادرة على المنافسة بأكثر من 15 ألف مشروع صناعي، واستقطاب استثمارات أجنبية كبيرة.

واستطاع خلال 22 عاما أن يحقق مكانة مشرفة لبلاده بين الدول الصاعدة بعدما ارتفع الاحتياطي النقدي من ثلاثة مليارات إلى ٩٨ مليارا، ووصل حجم الصادرات إلى ٢٠٠ مليار دولار. وبات قطاعا الصناعة والخدمات يساهمان بقرابة 90% من الناتج المحلي الإجمالي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

3 + 16 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube