https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

د. سامي العريان

 

أصبحت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين السمة الأبرز في الجغرافيا السياسية للقرن 21. فبينما تتآكل الهيمنة الأميركية العالمية بعد 3 عقود من التفرد والأحادية الأميركية للهيمنة العالمية، يشير صعود الصين المتواصل كقوة اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية ناعمة؛ إلى تحول زلزالي في النظام العالمي.

في الوقت ذاته، تواصل الولايات المتحدة التورط في صراعات إقليمية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، حيث لم تعد تحقق مكاسب استراتيجية لإمبراطوريتها، بل تعمق الانطباع العالمي بتراجعها.

وهذا يتجلى بوضوح في الدعم الأميركي المطلق للكيان الصهيوني، لا سيما طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والذي قد يشكل نقطة تحول في نظرة الرأي العام العالمي لشرعية لهيمنة الأميركية والمشروع الصهيوني

منذ نهاية الحرب الباردة، اتبعت الصين استراتيجية طويلة الأمد تُعرف باسم “الصبر الاستراتيجي”، وهي مقاربة متعددة الأبعاد تركز على النمو الاقتصادي، وتحديث القدرات العسكرية، والانخراط العالمي المتعدد الأطراف. ويُعد مشروع “الحزام والطريق” أبرز معالم هذه الاستراتيجية، إذ يهدف إلى نسج شبكة من البنى التحتية والتجارة والاستثمارات عبر أوراسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.

وبهذا المشروع تمكنت الصين من تأمين الموارد الحيوية والتأثير على طرق التجارة العالمية، كما سمح لها بتصدير نموذجها التنموي، متجاوزةً المؤسسات الدولية التقليدية التي تهيمن عليها القوى الغربية.

 

لقد كان النمو الاقتصادي الصيني في العقود الثلاثة الماضية مذهلاً. ففي عام 1992، لم يتجاوز الناتج المحلي الصيني 6% من نظيره الأميركي (367 مليار دولار مقابل 6.52 تريليونات). أما اليوم، فقد تجاوزت هذه النسبة 65% (20 تريليون دولار مقابل 30 تريليونا). وقد موّل هذا النمو الهائل برنامجاً لا يقل تأثيرا في تحديث القدرات العسكرية.

فعلى الرغم من أن الصين لم تتجاوز الولايات المتحدة بعدُ كأقوى قوة عسكرية عالمياً، فإنها بدأت تفرض نفوذها الإقليمي المتزايد، لا سيما في بحريْ الصين الجنوبي والشرقي. ومن خلال تركيز عقيدتها العسكرية على تراكم قدرات منع الوصول أو الحرمان من المنطقة للقوى الخارجية الأجنبية، أو ما تسمى سياسة “Anti-Access/Area Denial” (A2/AD)، تسعى الصين إلى منع أو الحد من التدخل الأميركي قرب حدودها، كخطوة أساسية نحو الهيمنة الإقليمية في شرق آسيا.

وفي الوقت ذاته، أسهمت الصين بفاعلية في إنشاء مؤسسات دولية بديلة تتحدى الهيمنة الغربية، مثل مجموعة البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، والأنظمة المالية الجديدة كمصرف التنمية الجديد، مما يدل على سعيها نحو بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب يشكك في سيطرة النظام الليبرالي الذي تقوده الولايات المتحدة.

الاستراتيجية الكبرى لواشنطن.. الهيمنة العالمية والسيطرة الإقليمية

 

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ظهرت الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة في العالم، وهي لحظة تفرّد أرادت بقاءها واستمرارها. ومنذ عام 1991، تمحورت الاستراتيجية الأميركية حول منع صعود أي قوى منافسة، خصوصاً في أهم المناطق الجيوسياسية في شرق آسيا، وأوروبا، ومنطقة الخليج العربي/الشرق الأوسط.

ولقد كان جوهر هذا المنطق أنه إذا لم تستطع أي قوة إقليمية أو كبرى أن تهيمن في منطقتها، فلن تتمكن من تحدي التفوق أو الهيمنة الأميركية على الصعيد العالمي.

ولتطبيق هذه الاستراتيجية، اعتمدت الولايات المتحدة في منطقتي أوروبا وشرق آسيا سياستين لإضعاف خصومها المحتملين، غير أنهما فشلتا في النهاية.

 

الأولى في أوروبا، وتتمثل في توسعة حلف الناتو شرقاً من 16 عضواً في العام 1991 إلى 32 عضواً اليوم، في محاولة لاحتواء أو استمالة روسيا أو تغيير نظامها السياسي. وقد شملت هذه السياسة إدخال دول أوروبية كانت تحت النفوذ السوفياتي قبل انهياره، من خلال دعم وتحريك الحركات المؤيدة للغرب في هذه المجتمعات، كالثورات الملونة.

إلا أن هذه السياسة أثارت ردة فعل عنيفة من الجانب الروسي، حيث اعتبرت موسكو توسع الناتو تهديداً وجودياً لها، ما دفعها إلى إعادة فرض نفسها. ولقد تُوج ذلك بالحرب على أوكرانيا عام 2022، وهو صراع يميل الآن لصالح موسكو رغم الدعم الغربي الهائل لكييف عسكريا واقتصاديا وسياسيا.

 

أما في شرق آسيا، فقد انتهجت الولايات المتحدة سياسة الانخراط والتواصل مع الصين، على افتراض أن الازدهار الاقتصادي الصيني سيؤدي حتماً في نهاية الأمر إلى “لَبرلة” (من الليبرالية) النظام السياسي الصيني، أي تحريره وربطه بالنظام العالمي الرأسمالي الذي تقوده أميركا. ولذلك تم إدخال الصين إلى منظمة التجارة العالمية عام 2001، لتصبح مركزاً للاستثمار الأميركي والعالمي.

لكن الصين لم تتحول إلى ديمقراطية ليبرالية، بل احتفظت بنظامها السلطوي المركزي بينما راكمت قوة اقتصادية وتقنية هائلة، وهذا بدوره سمح بزيادة إنفاقها العسكري وتأكيد قوتها الإقليمية، وهو ما كانت واشنطن تأمل أن تتفاداه.

الشرق الأوسط.. السيطرة على الموارد والتوسع الإمبراطوري

 

المنطقة الاستراتيجية الثالثة للهيمنة الأميركية كانت تكمن في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط الأوسع. فلطالما كانت السيطرة على هذه المنطقة الغنية بالنفط محوراً أساسياً في التخطيط الاستراتيجي الأميركي وضمن مصالحها الحيوية العليا، ليس فقط لأسباب تتعلق بالسيطرة على مصادر الطاقة من خلال خلق التحالفات ومناطق النفوذ، بل أيضاً لضمان استمرار هيمنة الدولار الأميركي.

فمنذ فك ارتباط الدولار بالذهب عام 1971، أصبحت مكانته كعملة احتياطية عالمية تعتمد على إعادة تدوير البترودولار. وقد كانت ضمانات بيع النفط بالدولار مع الدول الكبرى المصدرة للنفط، والحفاظ على ولاء الأنظمة الإقليمية وحمايتها تحت المظلة الأميركية، أموراً جوهرية في تحقيق هذه الهيمنة.

بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، اتجهت السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة نحو طموحات كبيرة من خلال سياسة إعادة هندسة المجتمعات. فقد غزت الولايات المتحدة أفغانستان والعراق تحت شعارات “الديمقراطية”، و”تغيير الأنظمة”، و”تحقيق الأمن العالمي والاستقرار الإقليمي”.

وكشف الجنرال ويسلي كلارك في مقابلة عام 2003، أن البنتاغون بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول وضع خطة لإسقاط 7 أنظمة خلال 5 سنوات، وهي: العراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، والصومال، والسودان، وإيران. لكن هذه المخططات الطموحة انهارت في صحارى وجبال الشرق العربي والإسلامي.

لقد هُزمت أميركا في العراق وأفغانستان، رغم إنفاقها العسكري الهائل وسقوط آلاف الجنود، كما تحطم حلم “إعادة تشكيل” المنطقة على غرار النموذج الأميركي في ظل انتشار الفوضى والعنف والفشل

( الجزيرة )

.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

14 + إحدى عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube