(ملخص دراسة في سلسلة اتجاهات استراتيجية ) حول ظاهرة إعادة تشكُّل الجيوش في دول الشرق الأوسط أثناء الصراعات .
تشير الدراسة إلى أن عملية إعادة التشكل لم تعد ترتبط بعمليات بناء السلام التقليدية، بل أصبحت جزءاً من ديناميكيات الصراع نفسها. فهذه الجيوش لا تتشكّل في بيئات مستقرة، بل في ظروف استثنائية تتسم بعدم الاستقرار، مما يطرح تحديات كبرى في مجالات التماسك، المشروعية، والقدرة الوظيفية.
وتستند الورقة إلى ثلاث مقاربات نظرية رئيسية لفهم ظاهرة إعادة تشكُّل الجيوش في دول الشرق الأوسط. أولها، مقاربة “ما بعد الصراع” (Post-Conflict)، وهي المنظور التقليدي الذي يرى في إعادة تشكيل الجيوش جزءاً من عمليات بناء السلام الشامل بعد توقف القتال، وتشمل برامج نزع السلاح، التسريح، وإعادة الإدماج (DDR)، وإصلاح القطاع الأمني (SSR).
ثانيها، مقاربة “أثناء الصراع” (During Conflict)، والتي تنظر إلى إعادة تشكُّل الجيوش كعملية تحدث داخل سياق الصراع، لا بعده، وذلك بهدف خفض التصعيد وإدارة العنف وليس بالضرورة لتحقيق الاستقرار المؤسسي الكامل، كما هو حال بعض الدول التي أعادت تشكيل قواها المسلحة أثناء استمرار النزاع.
أما المقاربة الثالثة: فهي مقاربة “من الهشاشة إلى المرونة” (From Fragility to Resilience)، والتي لا تفترض خطاً زمنياً صارماً بين مراحل الصراع وبناء السلام، بل تركز على التحول التدريجي من حالات الهشاشة الأمنية إلى بناء مؤسسات قادرة على التكيف والتماسك، مع مراعاة الديناميكيات المتغيرة محليًا ودوليًا.
وتستعرض الدراسة هذا الاتجاه في عدد من المحاور:
– الواقع يتجاوز المقاربات النظرية والاجرائية التقليدية: مثل نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج – DDR، وإصلاح القطاع الأمني SSR التي ثبتت محدودية فعاليتها في المنطقة بسبب تعقيد وتشابك النزاعات، ما أدى إلى نشوء هياكل عسكرية هجينة وفصائلية تفتقر للشرعية المؤسسية.
– صعوبة التنبؤ بمستقبل الظاهرة: لا توجد صيغة واحدة لتكوين الجيوش الجديدة، بل تعتمد كل حالة على مكوناتها الداخلية والخارجية الخاصة. ورغم صعوبة تصور الشكل النهائي، إلا أن عوامل مثل التحولات السياسية، الإقليمية والدولية ستلعب دورًا كبيرًا.
– تحديات متعددة: يرتبط بظاهرة إعادة التشكُّل بُعد سياسي واجتماعي عميق، مثل الطائفية، مع ضعف الحوكمة، والتدخلات الخارجية، مما يجعل إعادة تشكيل جيش وطني مستقر مهمة شبه مستحيلة في بعض السياقات.
أزمة احتكار القوة: تواجه الدول المأزومة معضلة احتكار القوة، حيث تتشارك الفصائل المسلحة هذا الاحتكار مع السلطة الشرعية، وربما يفرض المستقبل نماذج “احتكار مشترك” للقوة، أو حتى دمج المليشيات في الجيوش النظامية.
أبرز أنماط الظاهرة:
– نمط الدمج الفصائلي: كما حدث في سوريا، عبر تحويل الفصائل المسلحة إلى جيش موحّد في ظل تغيير سياسي كبير.
– النمط الهجين: مثل العراق، حيث يجري دمج عناصر نظامية في المنظومة (كقوات الحشد الشعبي).
– النمط المتوازي: كما في اليمن، حيث توجد كيانات عسكرية متوازية دون أفق للاندماج.
وتخلص الورقة إلى أن عملية إعادة تشكُّل الجيوش ليست مجرد مسألة فنية، بل قضية سيادية واستراتيجية تربط بإعادة الاعتبار للدولة الوطنية التي تعرضت للتآكل بفعل استدامة الصراعات في الدول التي تعرضت للحروب الأهلية والنزاعات المسلحة. الموسوعة الجزائرية ..