
كتب محمد خير الوادي :
على الرغم من ان  الازمة حول اوكرانيا لم تنته بعد ، الا ان بعض  النتائج  الاولية   لتلك  الازمة بدأت تعلن عن نفسها في تلك المنطقة والعالم .
وأولى  تلك النتائج ، عودة  مسألة الامن الاوربي الى الواجهة  بعد غياب استمر ربع قرن . لقد اعتقد الغرب  ، ان التدابير الامنية التي فُرضت نتيجة انهيار الاتحاد السوفياتي ، باتت ابدية وغير قابلة للتعديل . ولذلك اصيبت  العواصم الغربية بصدمة واندهاش كبيرين ، اثر تقدم موسكو بشروط ذات سقف عالي ، تلغي عمليا المكاسب  الامنية والسياسية التي حققها الغرب خلال ربع القرن الاخير .ولاضفاء جدية على مطالبها ، اتبعت موسكوجهدها الدبلوماسي ،بحشد عسكري روسي غير مسبوق على الاطراف الشرقية لاوربا .
ورغم ان ان امريكا واوربا رفضت المطالب الروسية ،واعتبرتها تعجيزية ، وبدأ حلف الناتو بزيادة وجوده العسكري في بلدان شرقي اوربا ، وسارعت امريكا لتقديم دعم عسكري وسياسي لكييف ، واشعلت واشنطن  حملة شاملة حول الخطر الروسي الذي يهدد اوربا ، الا ان الوقائع تشير الى ان نظام  الامن السابق في اوربا قد اهتزٌ و لم يعد صالحا ، وان هناك ضرورة  للبحث عن صيغ جديدة  تضمن الامن لكل الاطراف – بما فيها روسيا .وسيحدد مصير المواجهة المحتدمة الآن، شكل الامن في اوربا  لعقود قادمة .
النتيجة الثانية للتطورات حول اوكرانيا تتجلى في ان امريكا ، قد استغلت هذه الازمة من اجل تعزيز مواقعها في اوربا ، واقناع الاوربيين ـ  في ان واشنطن هي  الجهة الوحيدة القادرة على حماية الاوربيين من ” الخطر الروسي “. لقد عانت  العلاقات  بين ضفتي الاطلسي من برودة مزمنة  وصلت حد الخصومة في عهد ترامب .  ومنذ مجيئه ،سعى  بايدن  الى ازالة الشوائب من العلاقات مع اوربا ، وجرالدول الاوربية لتأييد السياسة الامريكية ضد الصين . وقد  اصطدمت محاولات الرئيس الامريكي هذه بعقبات جدية اساسسها عدم الثقة بواشنطن . لكن  هستيريا الحرب التي اشعلتها واشنطن ضد روسيا ، دفع معظم الدول الاوربية للاحتماء بالحضن الامريكي . وقد ساعد في ذلك  ايضا ، توجه موسكو في تجاوز الاوربيين فيما يخص الازمة الاوكرانية ، واصرارها على التفاوض مع الولايات المتحدة   وليس مع الاتحاد الاوربي .
النتيجة الثالثة التي بدأت تطفو على سطح الاحداث ، هي بداية اقتناع واشنطن بخطورة انسحابها من الشرق الاوسط وتركيزها على الصين فقط .لقد  صدٌع  هذا الانسحاب الامريكي  بنيان العلاقات الامريكية مع بلدان الشرق الاوسط ، لا سيما الدول الخليجية منها . فعودة واشنطن الى الاتفاق النووي مع ايران ، وازالة الحوثيين من قائمة الارهاب الامريكية ، وتخاذل الجيش الامريكي في الدفاع عن المنشأت النتفطية السعودية ، واصرار جهات امريكية على اثارة مسائل حقوق  الانسان وقضية مقتل خاشقجي ،  هذه الامور كلها وتٌرت علاقات امريكا مع  كل من السعودية والامارات والبحرين ومصر . يضاف الى ذلك ، ان علاقات واشنطن  مع اردوغان  هي سيئة  اصلا .
 هذه التطورات كلها ، وفرت الظروف المناسبة كي تملأ كل من موسكو وبكين الفراغ الذي تركته واشنطن في الشرق الاوسط .وقد شعرت الادارة الامريكية بخطورة الامر ، خاصة اثناء  الازمة الاوكرانية . فحلفاؤها العرب  لم  يساندوا الموقف الامريكي في وجه روسيا ، والسعودية رفضت الطلب الامريكي في زيادة انتاجها النفطي .حتى اسرائيل  – حليفة امريكا الاساسية في المنطقة – ، رفضت تزويد اوكرانيا بالسلاح لعدم اغضاب الروس ،  لا بل ان الحكومة الاسرائيلية طلبت من موسكو – وليس من واشنطن –  المساعدة في اجلاء الاسرائليين من اوكرانيا !
 هذه المؤشرات اقلقت واشنطن ، وبدأت ترتفع  هناك اصوات مؤثرة ،تنادي  بضرورة عودة امريكا  سريعا   الى الشرق الاوسط ،واعطاء مصالحها ،وليس حقوق الانسان، الاولوية في علاقاتها مع دول المنطقة .
لم تضع الازمة حول اوكرانيا والامن في اوربا اوزارها بعد ، وقناعتي،ان استمرارالمواجهة الروسية مع الغرب، سيفرز مزيدا من التفاعلات على الاوضاع في اوربا والشرق الاوسط والعالم كله .
17/2/2022
