https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

 

مشكورة  هي الجهود التي بذلها الرئيس ترامب ،من اجل التوصل الى اتفاق  شامل،  ينهي  المجزرة التي ترتكبها اسرائيل في غزة ، ويفتح نافذة  أمل في هذه الارض المعذبة  نحو السلام واستعادة الحياة الطبيعية هناك.

وبهذا الخصوص ،يقفز فورا السؤال التالي : ماهي الاسباب التي دفعت ترامب لبذل جهود استثنائية وغير مسبوقة  لانجاز اتفاق غزة ؟ مع التنويه، الى ان تلك الجهود قد وصلت الى حد مشاركة ممثلي الرئيس الامريكي ،في اجتماع  الحكومة الاسرائيلية الذي أقرالاتفاق المذكور .

اعتقد ان تفسير الامر برغبة الرئيس ترامب فقط  في الظهور بصفة  صانع سلام،والسعي تاليا لنيل جائزة السلام  ، هو تفسير لا يغطي الحقيقة كله ، ولا يشفي الغليل .

برأي ، هناك اسباب اعمق من ذلك .في طليعتها ، ادراك الرئيس الامريكي ان تعنت نتنياهو وصلفه ، قد وضعا اسرائيل في طريق زلق وخطر ، يمكن ان يودي بها الى الهاوية .فلأول مرة منذ تاسيسها ،وجدت اسرائيل نفسها في عزلة دولية خانقة ، تجلت في المظاهرات التي اجتاحت مدن العالم ، تنديدا بالمجازر التي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في غزة . والمرة الاولى التي  تندد فيها  معظم حكومات العالم بهذه المجازر . وهناك امر لم يحدث سابقا ، وهو اتساع حملات الغضب التي اجتاحت الاعلام العالمي من  اسرائيل  وممارساتها الاجرامية . يضاف الى ذلك ،  تشكيل اساطيل شعبية عالمية ، حاولت كسر الحصار الاسرائيلي ، انتهت باعتقال اسرائيل لمئات من مشاركي تلك الحملات التضامنية والتنكيل بهم ، وهو امر جعل صورة الكيان الصهيوني في العالم اكثر قتاما وسوداوية .  وقد توجت تلك العزلة  بخطوة بليغة ،تمثلت في انسحاب معظم مندوبي العالم من قاعة الامم المتحدة، قبيل القاء نتنياهو خطابا هناك . لقد بدا رئيس الوزراء الاسرائيلي  في تلك اللحظة ،وحيدا  بائسا ، معزولا ومدانا . و اعتقد، ان تلك اللحظة المأساوية  ،قد اثارت هلع  الرئيس الامريكي وقلقه من المستقبل الغامض الذي ينتظر اسرائيل، ودفعته لمد يد العون لها  .  بكلمات اخرى ، فان الخوف على اسرائيل ، هو الذي دفع الرئيس ترامب للتحرك فورا من اجل انقاذ اسرائيل من نفسها وتهور حكومتها، ومن عزلتها الدولية .

وهناك سبب آخر لتحرك ترامب السريع هذا  وهو ، ان صمت  الغرب على الجرائم البشعة التي ارتكبتها اسرائيل في غزة ، قد  صدٌع – في عيون شعوب العالم  – قيم الحرية والمساواة وحقوق الانسان ، التي استخدمها الغرب لجذب شعوب العالم . لقد عرى تأييد الغرب  -لا سيما في بداية ازمة غزة – لسياسة  الابادة والتهجير التي مارستها حكومة نتنياهو ، ازدواجية المعايير التي يستخدمها الغرب في الترويج لقيمه امام شعوب العالم .  وهذه الازدواجية لم تتسب في نفور معظم شعوب العالم فحسب  من السلوك غير الاخلاقي وغير الانساني لمواقف الدول الغربية ، بل اشعلت كذلك غضبا عارما داخل الدول الغربية على سلوك تلك الدول ، وتواطئها مع اسرائيل . وقد انفجر  هذا الغضب على هيئة  مظاهرات شعبية عارمة ،أثارت الخوف والقلق لدى الحكومات  الغربية ذاتها . باختصار ، فان تحرك ترامب الحاسم ، قد فرضته الحاجة لانقاذ القيم الغربية من المأزق الخطير الذي  سببته سياسة نتنياهو للغرب ولقيمه .

وارى ان هناك سببا آخر حفز الرئيس ترامب على التحرك السريع لوقف انفلات نتنياهو ، وهو ان الرئيس ترامب كان قد بدأ – خلال فترة رئاسته الاولى – تحركا لتطبيع العلاقات بين اسرائيل وبعض الدول العربية . وقد اثمر ذلك التحرك عن التوقيع على المعاهدات الابراهية ، التي فتحت ابواب التعاون بين دول عربية والكيان الصهيوني . واعلنت ادارة ترامب ،انها ستبدأ تحركا جديدا لتوسيع تلك الاتفاقات . لكن تفاقم الوضع في  غزة ، اقنع الرئيس الامريكي ، ان سياسة نتنياهو الهوجاء ، باتت تعرقل خطط واشنطن لتوسيع الاتفاقات الابراهيمية ، و  تحرج الدول العربية التي ابرمت سابقا اتفاقات تطبيع مع اسرائيل ، لابل ان استمرار العدوان على غزة ،سيضع تلك الاتفاقات  كلها في مهب الريح. وبالتالي فان حدوث ذلك ، سيعرض للخطر ،اكبر انجاز تباهى به ترامب  . واظن ، ان هذا العامل، قد فرض على ترامب ضرورة التحرك لانقاذ نلك الاتفاقات .

في النهاية ، اريد التأكيد ، ان الخوف على اسرائيل ، والحرص على اخراجها من عزلتها الدولية الخانقة ، وانقاذ قيم الغرب ، و ازالة العراقيل من طريق التطبيع المستقبلي بين اسرائيل والعرب ، هي التي دفعت الرئيس ترامب للتحرك السريع، ووضع ثقله كله، من اجل ايقاف الحرب على غزة وانقاذ اسرائيل . وهذا يعني ، ان مواقف الرئيس ترامب المؤيدة لاسرائيل لن تتغير او تخف ، وان مجرد الافتراض بتراجع الدعم الامريكي لاسرائيل ،هو رهان خاسر .

10/10/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 15 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube