
 كتب محمد خير الوادي :
شاركتُ قبل فترة – عبر الانترنت – في ندوة فكرية نظمها معهدالدراسات الاجنبية الياباني حول الانتخابات الامريكية المقبلة ، وتأثيرها على اسيا عامة وعلى مستقبل العلاقات بين الصين وامريكا خاصة .وقد  حضرتُ تلك الندوة باعتباري  مؤلفا لكتاب ” الهلع من الصين -الفرص الضائعة ” ،والذي يتحدث عن الخطوات التي اتخذتها ادارة ترامب ضد الصين.  وقد تم ُطرح السؤال التالي على المشاركين في الندوة – وكان من بينهم  مسؤولون صينيون- : من هو الافضل  لآسيا : بايدن ام ترامب ؟
اغلبية المشاركين ، عبٌرت عن قناعة ، بان ترامب قد دمٌر علاقات امريكا مع  جنوب شرق آسيا ، وبان عودته تعني، ان مسيرة التدمير هذه ستتواصل ،ولذلك فان اغلبية حكومات تلك المنطقة ، تفضل بقاء بايدن في البيت الابيض .وقد اشرت في مداخلتي  الى تشابه مواقف الرئيسين من قضايا  الشرق الاوسط  . فكلا الرئيسين يدعمان – بلا حدود السياسة العدوانية الاسرائيلية على حساب المصالح العربية . لكن  جواب  احد الاكاديميين الصينيين المشاركين في الندوة ،  شكل صدمة كبيرة عندما قال : “ان بكين تفضل عودة ترامب الى سدة الرئاسة ، لان العلاقات الصينية الامريكية عانت ايضا  بما فيه الكفاية من ادارة  بايدن “.
واكرر ، الجواب الصيني  كان مفاجأة  مدوية، لان  حجم الضرر الذي الحقه ترامب بالعلاقات الامريكية الصينية  كان كبيرا جدا .لقد اشعل ترامب عدة حروب – دفعة واحدة – مع الصين ، منها الحرب التجاري والمالية والعلمية ، وفرض حظرا شبه تام على توريد التقانة فائقة الدقة الى الصين ، ورسوما جمركية بمئات المليارات من الدولارات على السلع الصينية . واعتبر المواطنين  الصينيين في امريكا عملاء للحزب الشيوعي .
. اضافة الى ذلك ، فقد اتهم  ترامب ـ الصين بنشر فيروس كورونا بشكل متعمد  في العالم ، وطالب بكين بدفع تكلفة الخسائر الاقتصادية لتفشي الوباء .
لقد شكلت سياسة ترامب صداعا مزمنا للسياسة  الصينية . اضافة الى ذلك ، فان ترامب اعلن قبل اسبوعين ، بانه في حال  عودته الى البيت الابيض ، فانه سيواصل النهج نفسه  ، وسيصعد الاجراءات العقابية ضد الصين . بعد هذا كله ، يعلن اكاديمي صيني تفضيله لترامب على بايدن ! والاهم من ذلك كله ، ان هذا  الاكاديمي لم يقدم مزيدا من الشرح .
لم يكن  الجواب الصيني هذا مفاجئا لي ، فانا اعرف ،بان كثيرا من الخطوات التي اتخذها ترامب ، كانت تثير ارتياحا كبيرا لدى القيادة الصينية . وساسوق عددا من الامثلة على ذلك:
لقد اعلن الرئيس ترامب انسحاب بلاده من اتفاقية  الشراكة التجارية عبر المحيط الهادي .وخروج امريكا من تلك الاتفاقية  الهامة فتح الباب على مصراعيه لدخول الصين وتعزيز نفوذها  في تلك المنطقة . يضاف الى ذلك ، فان التهديدات التي اطلقها الرئيس ترامب  ضد اليابان وكوريا الجنوبية واوربا ، بفرض اجراءات عقابية ضد تلك البلدان اذا لم تسهل دخول السلع الامريكية ، قد خلقت حالة من  القلق بين اقرب حلفاء امريكا ، الذين سارعوا لترميم جسور التعاون مع الصين .ولم تخف بكين سرورها من مواقف ترامب الذي رفض تسليح تايوان ،ولوح بامكانية انسحاب القوات الامريكية من كوريا الجنوبية ، وخروج  الولايات المتحدة من حلف الناتو .
 ولعل اكثر ما اثلج صدر الصين – آنذاك -، هو النهج الداخلي الذي سار عليه ترامب  في تفتيت المجتمع الامريكي ، واغلاق ابواب امريكا في وجه المسلمين ومواطني دول امريكا اللاتينية . وهي اجراءات  ادت الى اضعاف الجبهة الداخلية لامريكا، وتمزيق علاقات امريكا مع الدول النامية . والصين  تتمنى  ان يستمر هذا الامر . بكلمات اخرى ـ فان ترامب قد نفٌرَ حلفاء الولايات المتحدة ، وصدٌع المجتمع الامريكي من الداخل  ، واضعف النفوذ العالمي الامريكي .واعتقد ، ان ترحيب الاكاديمي الصيني بعودة ترامب ـ يجب ان يفهم في هذا الاطار ، اطار استمرار خطوات ترامب لاضعاف امريكا ، وتراجع نفوذها في العالم .
من جانب آخر   ، ان سياسة بايدن تجاه الصين لم تكن اقل سوءا من ترامب .فقد عزز بايدن النفوذ الامريكي في جنوب شرقي آسيا ـ، واقام تحالفات عسكرية ضد الصين ، ولم يلغ العقوبات التي فرضها ترامب على الاقتصاد الصيني ، وخفف من حدة  الصراع الداخلي في امريكا .  ولذلك ـ فان  بكين  تعتقد ان كلا الرئيسين – ترامب وبايدن – معاديين للصين  ، مع اضافة هامة ، هي ان بايدن  اكثر خبرة في ممارسة السياسة  ،واكثر ذكاء في التعامل مع الصين .بينما  يشبه ترامب  الجرافة  الصماء ،لتي تدمر كل ما يعترض طريقها  ،بما في ذلك ، تلك التي تخدم مصالح امريكا .
3/4/2024
