https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

 

اثار بيان وزارة  الخارجية السورية عن اجراء مفاوضات مع اسرائيل ، ردود فعل واسعة ، منها المتفهم ومنها الشاجب . وبهذا الخصوص لابد من الاشارة ،الى ان عملية المفاوضات بحد ذاتها بين عدوين ، ليست مستغربة في عالم السياسة .  ثم انها ليست اول مرة تجري فيها دمشق مفاوضات علنية مع اسرائيل. فقد حدثت مفاوضات، انتهت بتوقيع اتفاق الهدنة عام 1949. كما تم التوصل- اثر مفاوضات صعبة – الى اتفاق فك الاشتباكات او فصل القوات في الجولان عام 1974 . وجرت مفاوضات كذلك  في اطار مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ،والذي انتهى  بالاخفاق .ولا يمكن اغفال  مفاوضات واي بلانتشين عام 1996 ، والتي لم تتمخض  ايضا عن اية  نتيجة .هذا الاستعراض السريع لعمليات المفاوضات مع اسرائيل ـ يشير ، الى انه ليس بالحتمية ان تفضي مفاوضات باريس الى النجاح .

نقطة اخرى لا بد من الاشارة اليها في هذا المجال ، هي ، ان معظم  عمليات التفاوض هذه ،  تمت برعاية امريكية .فمفاوضات فصل القوات ، رعاها هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي- آنذاك –  ، والذي  قام برحلات مكوكية بين دمشق وتل ابيب ، منها 130 ساعة قضاها مفاوضا في دمشق .

ثم ان جولة واي بلانتشن تمت في الولايات المتحدة  برعاية مباشرة من البيت الابيض .واليوم يقوم  توم باراك ممثل الرئيس الامريكي بدور حاسم في مفاوضات باريس .

اذا فالمفاوضات الرسمية بحد ذاتها  بين سورية واسرائيل ليست نادرة  الحصول . لكن الاخطر في هذا المجال ، كانت الاتصالات السرية التي كان تتم في الظلام ، والتي اجراها نظام الاسد الاب والابن مع اسرائيل ، والتي حددت فعليا طبيعة العلاقة بين ذلك النظام واسرائيل . ورغم ندرة المعلومات عن تلك الاتصالات ، الا اننا كنا نلمس ، وعلى امتداد عقود نتائجها . فبموجب تلك الاتصالات  السرية ، حظي حافظ الاسد بمباركة غربية واسرائيلية في الوصول الى سدة الحكم . ونتيجة لتلك الاتصالات منع النظام الاسدي اي تسلل او اطلاق نار عبر خطوط وقف اطلاق النار في الجولان . كما باركت وزيرة الخارجية الامريكة مادلين اولبرايت ،عملية توريث الحكم في سورية عام 2000 ، اثر تعهدات  حصلت  عليها  خلال  اجتماعها الطويل والمغلق مع الوريث بشار الاسد.وهكذا ، فان المفاوضات العلنية  لا تثير القلق . المشكلة كانت في الصفقات التي ابرمت بعيدا عن الاضواء في الغرف السرية .

وحسنا فعلت وازارة الخارجية السورية بالاعلان رسميا عن مفاوضات باريس . فقد تم – عبر هذه الخطوة – قطع دابر الشك ،والتأويل المفخخ،والتلفيق والقيل والقال .

الان نعود الى عملية المفاوضات الباريسية نفسها . لقد تم تحديد اهدافها، بخفض التصعيد في المنطقة الجنوبية  ،والعودة الى اتفاق فك فصل القوات عام 1974 ، مع التاكيد على احترام استقلال سورية ،وحماية وحدة اراضيها وسيادتها . والشيء الجديد هنا ، هو ،ان الموقف السوري في تلك المفاوضات – بعكس ما يشاع – ليس ضعيفا . فهو يستمد قوته من الدعم الكبير ،الذي توفره قوى عربية واقليمية كبيرة  لاستقرار سورية ونهوضها ، واحترام  سيادتها على كل اراضيها.وهناك نقطة ايجابية اخرى في هذا المجال ، وتتمثل في  ان  الولايات المتحدة الامريكية – راعية هذه المفاوضات – قد اعلنت دعمها لاستقرار سورية  ووحدة اراضيها .

واضيف الى ذلك، فان الموقف السوري في تلك المفاوضات ،  سيكون اقوى، لو سارعت الحكومة السورية بحل مشكلة السويداء وقسد عبر الحوار ، وزادت من انفتاحها على كل مكونات المجتمع السوري  ووسعت مبدأ التشاركية . فالوحدة الوطنية  ، هي السلاح الامضى  والانجع لخوض المعارك السياسية والاقتصادية كلها،والانتصار فيها .

واختم مقالتي بالتذكير ، اننا نتفاوض مع عدو يحتل ارضنا ويهدد  وجود سورية ، عدو  مارس على الدوام الغدر والعدوان ، وارتكب  جرائم بشعة بحق شعبنا وبحق فلسطين والعرب كلهم .وعلى المفاوض السوري ان تكون تلك الصورة حاضرة دائما في ذهنة ، والا ينخدع بكلمات معسولة  ،قد يتفوه بها المفاوض الاسرائيلي ،عن السلام  والاستقرار وحسن الجوار . فالغدر والنكوث بالعهود  ، والحقد على كل ما هو عربي ومسلم ، كانت على الدوام هي السمات التي تميز السياسة الاسرائيلية ، لاسيما الآن .

21/8/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة + 6 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube