https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

في كتابنا  المعنون ” الهلع من الصين- الفرص الضائعة “، والذي صدر قبل سنة ونصف عن دار نشر بنغوين العالمية باللغة الانكليزية ، تحدثنا بالتفصيل عن الحرب التجارية التي نشبت خلال فترة ادارة ترامب الاولى بين الصين والولايات المتحد’ة ، والاخطار السياسية والاقتصادية التي نتجت عن تلك الحرب على العالم كله . واشرنا كذلك ، الى  انا الخلفية الاساسية لهذه الحرب ، كان العداء الذي كان مستحكما في رؤوس اصحاب القرار الامريكي- آنذاك- ضد الصين  ، وسعي واشنطن   الحثيث لعرقلة نمو بكين  وقدرتها على منافسة الولايات المتحدة .

واليوم ، يلجأ الرئيس ترامب  مرة أخرى الى اسلوبه المفضل في ممارسة الحروب التجارية ، ولكن هذه المرة  ليس ضد خصمه  التقليدي الصين  ،وانما ضد اقرب حلفائه التاريخيين في الدول الغربية . فقد دخلت  اليوم حيز التنفيذ  الرسوم الجمركية التي فرضتها ادارة ترامب على الواردات الاوربية ، كما فرض ترامب رسوما مماثلة على كل من جارتيه كندا والمكسيك . وبطبيعة الحال ،فان حلفاء امريكا -سابقا -لم يقفوا مكتوفي الايدي ، بل ردوا باجراءات  عقابية مماثلة تجاه امريكا  ،  وهو امر سيلحق اضرارا جسيمة  باقتصاديات الدول الغربية  كلها – بما فيها الولايات المتحد ة. لكن الانعكاسات السلبية الاساسية لسياسة  ترامب ازاء  حلفائه ، ستكون اكبر على العلاقات السياسية بين تلك الدول . فاذا ما تواصلت  وتيرة الحرب التجارية الحالية  ،والتصريحات  غير المسبوقة التي اطلقها ترامب  بضم كندا  وغرينلاند ،  وتجاهل القارة الاوربية ، فان تلك الاطراف ستبدأ رويدا رويدا الابتعاد عن واشنطن ، واتخاذ   خطوات تمكنها من العيش خارج المظلة الامريكية .واذا ما استمر ترامب في تعامله القاسي هذا  مع حلفائه ، سنشهد – بالتأكيد -نهاية الغرب  بالمفهوم  الذي نعرفه لاكثر من ثمانية عقود .  وبأن واحد ، فان التقارب السريع الذي نشهده اليوم بين ادارة ترامب وروسيا ، سيعجل حتما في انتهاء العصر الغربي ، وبروز كتل وتحالفات جديدة  لم تتبلور صيغها النهائية حتى اليوم .لقد اعتبر غورباتشوف المسبب الاول في انهيار  الاتحاد السوفياتي ، وعلى ما يبدو ،  فان ترامب سيحمل الصفة نفسها  فيما يتعلق  بالغرب ، طبعا في حال ستمرار الرئيس الامريكي   في سياسته الجلفة الحالية  مع حلفائه الغربيين ، والتقرب من خصومه السابقين .

ذريعة ترامب الاساسية في  تعامله القاسي  مع الدول الغربية ، هي ان تلك الدول كانت تكسب كثيرا على حساب امريكا ، ولاسيما في مجال الامن ، حيث اعتمد الغرب كليا على الدرع العسكري الامريكي  . ويطالب ترمب حلفاءه السابقين بتصحيح علاقاتهم التجارية  مع  الولايات المتحدة ، وتخصيص مبالغ اكبر لنفقات الدفاع . نظريا ، فان مطالب ترامب هذه محقة ، ولكن في الواقع ، فان امريكا قد جنت – بدورها –  مكاسب هائلة من  تحالفها مع الدول الغربية  . في مقدمة هذه المكاسب يأتي  تتويج امريكا زعيمة للغرب ، وهيمنة الدولار ، والسيطرة  الامريكية على نحو سبعين بالمائه من الهياكل المالية العالمية . هذه المكاسب التي حققتها امريكا خلال العقود الماضية ، باتت اليوم معرضة  ايضا للتقلص   والضمور.

و أخيرا ،لا بد من الاشارة ، الى  ان تراجع الهيمنة الامريكية في العالم ، لن تتم بين ليلة وضحاها ،  ولكن الخطوات الاولى على هذ الطريق قد بدأت . وليس هناك شكا ، في ان هراوة ترامب المرفوعة اليوم فوق رؤوس حلفائه ،  ستسرع في الوصل الى تلك النتيجة .  وسيكون خصما  امريكا – الصين وروسيا – المستفيد الاول من  سياسة ترامب هذه .

12/3/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

2 × واحد =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube