
كتب محمد خير الوادي :
في كتابنا المعنون ” الهلع من الصين- الفرص الضائعة “، والذي صدر قبل سنة ونصف عن دار نشر بنغوين العالمية باللغة الانكليزية ، تحدثنا بالتفصيل عن الحرب التجارية التي نشبت خلال فترة ادارة ترامب الاولى بين الصين والولايات المتحد’ة ، والاخطار السياسية والاقتصادية التي نتجت عن تلك الحرب على العالم كله . واشرنا كذلك ، الى انا الخلفية الاساسية لهذه الحرب ، كان العداء الذي كان مستحكما في رؤوس اصحاب القرار الامريكي- آنذاك- ضد الصين ، وسعي واشنطن الحثيث لعرقلة نمو بكين وقدرتها على منافسة الولايات المتحدة .
واليوم ، يلجأ الرئيس ترامب مرة أخرى الى اسلوبه المفضل في ممارسة الحروب التجارية ، ولكن هذه المرة ليس ضد خصمه التقليدي الصين ،وانما ضد اقرب حلفائه التاريخيين في الدول الغربية . فقد دخلت اليوم حيز التنفيذ الرسوم الجمركية التي فرضتها ادارة ترامب على الواردات الاوربية ، كما فرض ترامب رسوما مماثلة على كل من جارتيه كندا والمكسيك . وبطبيعة الحال ،فان حلفاء امريكا -سابقا -لم يقفوا مكتوفي الايدي ، بل ردوا باجراءات عقابية مماثلة تجاه امريكا ، وهو امر سيلحق اضرارا جسيمة باقتصاديات الدول الغربية كلها – بما فيها الولايات المتحد ة. لكن الانعكاسات السلبية الاساسية لسياسة ترامب ازاء حلفائه ، ستكون اكبر على العلاقات السياسية بين تلك الدول . فاذا ما تواصلت وتيرة الحرب التجارية الحالية ،والتصريحات غير المسبوقة التي اطلقها ترامب بضم كندا وغرينلاند ، وتجاهل القارة الاوربية ، فان تلك الاطراف ستبدأ رويدا رويدا الابتعاد عن واشنطن ، واتخاذ خطوات تمكنها من العيش خارج المظلة الامريكية .واذا ما استمر ترامب في تعامله القاسي هذا مع حلفائه ، سنشهد – بالتأكيد -نهاية الغرب بالمفهوم الذي نعرفه لاكثر من ثمانية عقود . وبأن واحد ، فان التقارب السريع الذي نشهده اليوم بين ادارة ترامب وروسيا ، سيعجل حتما في انتهاء العصر الغربي ، وبروز كتل وتحالفات جديدة لم تتبلور صيغها النهائية حتى اليوم .لقد اعتبر غورباتشوف المسبب الاول في انهيار الاتحاد السوفياتي ، وعلى ما يبدو ، فان ترامب سيحمل الصفة نفسها فيما يتعلق بالغرب ، طبعا في حال ستمرار الرئيس الامريكي في سياسته الجلفة الحالية مع حلفائه الغربيين ، والتقرب من خصومه السابقين .
ذريعة ترامب الاساسية في تعامله القاسي مع الدول الغربية ، هي ان تلك الدول كانت تكسب كثيرا على حساب امريكا ، ولاسيما في مجال الامن ، حيث اعتمد الغرب كليا على الدرع العسكري الامريكي . ويطالب ترمب حلفاءه السابقين بتصحيح علاقاتهم التجارية مع الولايات المتحدة ، وتخصيص مبالغ اكبر لنفقات الدفاع . نظريا ، فان مطالب ترامب هذه محقة ، ولكن في الواقع ، فان امريكا قد جنت – بدورها – مكاسب هائلة من تحالفها مع الدول الغربية . في مقدمة هذه المكاسب يأتي تتويج امريكا زعيمة للغرب ، وهيمنة الدولار ، والسيطرة الامريكية على نحو سبعين بالمائه من الهياكل المالية العالمية . هذه المكاسب التي حققتها امريكا خلال العقود الماضية ، باتت اليوم معرضة ايضا للتقلص والضمور.
و أخيرا ،لا بد من الاشارة ، الى ان تراجع الهيمنة الامريكية في العالم ، لن تتم بين ليلة وضحاها ، ولكن الخطوات الاولى على هذ الطريق قد بدأت . وليس هناك شكا ، في ان هراوة ترامب المرفوعة اليوم فوق رؤوس حلفائه ، ستسرع في الوصل الى تلك النتيجة . وسيكون خصما امريكا – الصين وروسيا – المستفيد الاول من سياسة ترامب هذه .
12/3/2025