https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

احتفلت فيتنام  قبل ايام بالذكرى الخمسين لانتصارها على العدوان الامريكي واعادة توحيدها .  وقد حفزتني هذه المناسبة على الكتابة عن  تجربة فيتنام في البناء، لا سيما وانني عايشت فصولا من تلك التجربة  ،عندما عملت سفيرا غير مقيم في فيتنام لسنوات طويلة ، والتقيت عددا كبيرا من القادة الفيتناميين ، وكتبت مقالات ودراسات كثيرة عن التجربة الفيتنامية الرائدة .

بداية لا بد من الاشارة ، الى ان العدوان الامريكي  على فيتنام  ،قد ترك  تلك الدولة خرابا  بالمعنى الحرفي للكلمة . فقد القت امريكا – كما اخبرني الرئيس الفيتنامي  نغوين مينه تريت في حديث خاص معي ، نشرت جزءا منه في كتابي ” لقاءات مع قادة من آسيا ” – ثلاثين مليار رطل من المتفجرات على الاراضي الفيتنامية ، وقتلت  تلك القنابل اربعة ملايين شخص وهجرت اثني عشرمليونا  ،ودمرت القنابل الكيميائية الامريكية كل غابات واشجار فيتنام .وبعد الحرب ، مارست امريكا ضغوطا شديدة من اجل منع الاستثمار العالمي في الاقتصاد الفيتنامي ، وفرضت عقوبات شاملة على تلك الدولة .

واضاف الرئيس الفيتنامي :  “بذل الحزب الشيوعي الفيتنامي جهودا كبيرة لاعادة اعمار ما دمرته الحرب ، ولكن بعد عدة سنوات اكبشفنا ، ان الاساليب الثورية  وحدها لا تكفي لتحقيق انتعاش اقتصادي . فعقلية ادارة الخنادق ومسارح الحرب ، تختلف تماما عن عقلية  ادارة الاقتصاد والدولة . في العقلية الاولى يكفي  الحماس والاخلاص والتضحية  والانتماء الثوري ، اما للنجاح في  البناء ، فانت بحاجة الى مختصين وتكنوقراط  ،وعلاقات دولية وجو سلمي داخلي وعالمي . ولذلك – والكلام للرئيس الفيتنامي – اقرت قيادة الحزب الشيوعي في ثمانينات القرن الماضي ، خطة “دوي موي ” للاصلاح الاقتصادي . وترتكز تلك الخطة  الى التخطيط المركزي للبناء ، والانفتاح التدريجي على آليات السوق ، والسعي لترميم العلاقات مع الدول الغربية “.انتهى كلام الرئيس الفيتنامي .

وخلال زيارتي الاولى لفيتنام في عام 2003، لا حظت تغييرا حقيقيا في التوجه السياسي للقيادة الفيتنامية .فامريكا لم تعد عدوا ، بل  اكبر مستثمر اجنبي في فيتنام ، واسرائيل انتقلت  في الاعلام الفيتنامي ، من خانة الغزاة  والمحتلين ، الى قائمة الشركاء الاستراتيجيين ، التي تزود الاقتصادالفيتنامي بالتقانة ، وتبيع للجيش الفيتنامي مختلف صنوف الاسلحة .كما تغيرت طبيعة العلاقات التحالفية العقائدية  مع كل من الصين  والاتحاد السوفياتي  -آنذاك_،  وباتت  المصالح وليست المباديء الشيوعية  ، هي التي تتحكم في علاقات فيتنام مع تلك الدولتين .

والشيء الوحيد الذي ابقت عليه الحكومة الفيتنامية من التماثل السياسي مع النظام الشيوعي الصيني ، هو معادلة دمج  افضليات النظام الاشتراكي مع ميزات الاقتصاد الرأسمالي ، والذي عرف باقتصاد السوق الاشتراكي . ومؤخرا غيرت الحكومة الفيتنامية جزئيا من موقفها هذا ، واتبعت نهجا خاصا بها قريبا ايضا من النهج الصيني ، وهو الحفاظ على السلطة  السياسية للحزب الشيوعي ، والسماح للاقتصاد بان ينمو ضمن آليات  وقوانين الاقتصاد الرأسمالي .

لقد حققت التجربة الاقتصادية الفيتنامية معجزات حقيقية في النمو الاقتصادي والبشري .  فقد بلغ حجم الناتج المحلي عام 2024 نحو 500 مليار دولار ، وحافظ النمو السنوي على معدل ثابت هو 6-7 بالمائة ، واصبحت فيتنام المنافس الاول  للصين في الصناعات الالكترونية والنسيجية وفي الاختراعات . ووصل حجم التبادل التجاري بين امريكا وفيتنام الى 137 مليار دولا ر العام الماضي .وبلغت حصة الفرد من الناتج المحلي 48 الف دولار سنويا .

واخيرا ، اسوق الملاحظات التالية  حول التجربة التنموية الفيتنامية :

اولا :  مرت فيتنام بفترة صعبة جدا استمرت نحو عقد من الزمن ، وكانت البلاد في تلك الفترة تعاني من الدمار والفقر والنقص في كل شيء . وقد بدأت الاوضاع في التحسن  بعد اقرار الاصلاح الاقتصادي اواسط ثمانينات القرن الماضي . وتحققت بداية  النهوض الحقيقي في فيتنام في مطلع الالفية الثانية . اي ان الامر تطلب عشرين عاما لتتخلص فيتام من ارث التخلف والدمار ، وتبدأ مرحلة النمو والازدها .

ثانيا : ان الشعب الفيتنامي لا يزال يعاني حتى اليوم – اي بعد خمسين عاما – من عواقب الحرب . فلا تزال الارض الفيتنامية  تحتفظ بعدد هائل من الالغام التي دفنها الامريكيون ، ولا يزال آلاف الفيتناميين واولادهم ، يعانون كذلك من تأثيرا الاسلحة والمواد الكيمائية التي استخدمتها امريكا اثناء الحرب . وتشير مصادر فيتنامية ، الى انه منذ نهاية الحرب وحتى العام 2024   ،توفي نحو مائة الف شخص بسبب مخلفات الحرب .

ثالثا : ان الاصلاحات الاقتصادية  الفيتنامية  لم تسر بسهولة ويسر ،  فهي قد واجهت مقاومة  شديدة من داخل القيادية الفيتنامية نفسها . وقد وقف الجنرال جياب الذي قاد الجيش الفيتنامي الى النصر ، في طليعة المنتقدين والمعارضين للاصلاحات الاقتصادية .

اردت – بعجالة  – ان اعرض للظروف التي مرت بها التجربة التنموية القيتنامية الناجحة  امام  القراءء الاكارم ، عل ذلك يكون مفيدا لتجربة النهوض في سورية .

6/5/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 + 19 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube