https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

لم يأت الاعلان عن توقيع اتفاق دفاعي  بين السعودية والباكستان  من فراغ ، بل سبقته تطورت مهمة في المنطقة ، جعلت من هذا الاعلان ضرورة ماسة لكلا  الطرفين . بداية اقول ، ان هذا الاتفاق سيفرض معادلات جديدة في المنطقة ، ويغير كثيرا من  المقولات التي سعت اسرائيل لفرضها  في الشرق الاوسط .

ابدأ من الاسباب التي جعلت الرياض الآن ، تُقدم على هذه الخطوة الحاسمة ، واعني الاتفاق الدفاعي مع الباكستان .

اولا: لقد راقبت الرياض بقلق بالغ تصاعد التهديدات الاسرائيلية ، وانفلات نتنياهو ،الذي اعلن  بكل وقاحة  في ايار من العام الجاري  ، ان تغيير وجه الشرق الاوسط واقامة اسرائيل الكبرى  ،هي مهمة تاريخية وروحية ( دينية يهودية ) مكلف بها . وترجمة هذا الاعلان الى اللغة السياسية يعني ، ان  حكومة المتطرفين الحالية في تل ابيب ، لم تعد تكتفي بابتلاع ما تبقى من فلسطين ، وانهاء القضية الفلسطينة ، بل ان هذه الحكومة تتطلع الى الهيمنة الكاملة على المنطقة ، والاستيلاء على ثرواتها تمهيدا لبناء اسرائيل التوراتية .  بكلمات اوضح ،  فان هذا التوجه الاسرائيلي يعني ،دفع سياسة التوسع الصهيوني الى ما بعد فلسطين ،اي الى اراض ودول عربية جديدة . ان استعراضا تاريخيا سريعا للاحداث يؤكد ، ان الاطماع التوسعية الاسرائيلية  تجاه العرب ، كانت على الدوام سياسة ثابتة لدي الحكومات الاسرائيلية  كلها، بغض النظر عن هويتها  العلمانيىة  الليبرالية او الدينية المتطرفة . لذلك رفضت اسرائيل جهود السلام كلها مع الدول العربية ، وعارضت  مبدأ الارض مقابل السلام ، وتُدمر اليوم مبدأ  اقامة دولة فلسطينية ، وتتملص من رسم حدود دائمة ومعترف بها دوليا  للدولة اليهودية .  ولا بد من الاشارة خاصة ،الى ان انظار الصهاينة ، كانت دائما شاخصة  نحو  ثروات دول  الخليج العربي ، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية .  وقد اثارهذا التوجه الاسرائيلي  مخاوف مشروعة في الرياض ، ودفعها للبحث عن وسيلة لمواجهة تلك الاخطار، تجلت في الاتفاق الدفاعي مع الباكستان  .

ثانيا: تبنت اسرائيل على الدوام  استراتيجة ابقاء العرب ضعفاء ، وعدم السماح لهم بامتلاك اية اسلحة تهدد الكيان الصهيوني . وعلى هذا الاساس اقرت تل ابيب مااسمته “بعقيدة ميناحيم بيغن ” الرامية  ،الى منع الدول العربية من امتلاك الاسلحة النووية ، والحفاظ على هيمنة اسرائيل النووية  في المنطقة  . ولتحقيق ذلك ، دمرت اسرائيل المفاعل النووي  العراقي عام  1981، واغتالت عشرات العراقيين من علماء الذرة . كما قتلت خيرة علماء مصر النوويين ، ودفعت باتجاه تفكيك البرنامج النووي الليبي عام 2003،وادعت عام 2007 ، انها دمرت مفاعلا نوويا سوريا . هذا السلوك الاسرائيلي اقنع الرياض – على الاقل الآن -، ان سعيها لامتلاك اسلحة غير تقليدية لمجابهة التحديات الاسرائيلية ، يمكن ان يضهعا في دائرة النار الاسرائيلية ، ولذلك اقدمت الرياض على خطوة بديلة – قد تكون مؤقتة، وهي التحالف العسكري مع دولة نووية  اسلامية وهي الباكستان . وهذا التوجه ،  يمكن ان يجنب البلاد، التبعات الخطيرة والتهديدات  الناجمة عن  امتلاك  الرياض اسلحة نووية  خاصة بها .

ثالثا : لقد ادركت الرياض ، ان تحالفها مع الولايات المتحدة لا يدرأ عنها الخطر الصهيوني . وذلك لسببين ، أولهما، ان نتنياهو بات يسيطر عمليا على السياسة الامريكية في الشرق الاوسط  ويتحكم بها ، وثانيهما ، ان البنتاغون الامريكي ،قد زود الجيش الاسرائيلي بشيفرة الاسلحة الامريكية المتقدمة التي اشترتها السعودية من امريكا .وقد استخدت اسرائيل هذه الشيفرة  اثناء عدوانها على الدوحة ،لشل منظومات الدفاع الخليجية كلها ، بما فيها القطرية .وهذا اقنع الرياض ، بان واشنطن لم تعد الحليف الموثوق الذي يساعدها في اوقات الشدة .

انتقل الان الى الاسباب التي دفعت اسلام اباد الى توقيع تلك الاتفاقية  المذكورة مع الرياض . بداية اشير، الى ان القيادة الباكستانية ، كانت ترفض  على الدوام ،مقولة ان القنبلة النووية الباكستانية هي قنبلة اسلامية ،هدفها الدفاع عن المسلمين  ، وتتحدث دائما عن ان تلك القنبلة  مخصصة لحماية الامن الوطني الباكستاني ،،وانها لن تُستخدم خارج هذا الاطار . وقد سمعت هذا التأكيد مرار من المسؤولين الباكستانيين . والسؤال الذي يطرح اليوم : ما الذي جعل  الباكستان تغيير موقفها هذا ، وتقدم على اعارة مظلتها النووية للمملكة العربية السعودية ؟ هناك – برأ ي- عدة اسباب لذلك .على رأسها ، تنامي التحالف بين حكومة مودي الهندية المتطرفة ونتنياهو . ونذكٌر،ان العنوان العام لهذا التحالف ، هو العداء للمسلمين ومكافحة ” الارهاب الاسلامي ” . وكل من تل ابيب ودلهي تدعيان ،ان الباكستان باتت اليوم قاعدة للمتطرفين الاسلاميين . وهو ما يشكل ضغوطا اضافية على الباكستان .ولمواجهة ذلك ، تسارع حكومة اسلام اباد للانفتاح على الدول الاسلامية . فقد زادت من تقاربها مع اندونيسيا  ، وطورت علاقاتها بشكل لافت مع تركيا  ،حيث تم خلال العام المنصرم ، التوقيع على اتفاقات عسكرية مهمة جدا مع تركيا  ،لانتاج الاسلحة وتبادل الدعم . واليوم جاء دور السعودية ، التي تحظى بمكانة خاصة في السياسة الباكستانية ، نظرا للعلاقات التاريخية بين البلدين . وهناك عامل آخر دفع اسلام اباد للاسراع على التقارب مع السعودية ، وهو ان تعميق التحالف بين  مودي و نتنياهو ، يضطر الباكستان  الى السعي الدائم  لتطويرقدراتها الدفاعية ، بما في ذلك الاسلحة النووية ،لمواجهة الاعتداءات الهندية المتواصلة والمدعومة من جانب اسرائيل .وهذا  السعي يتطلب اموالا طائلة  ليست متوفرة في الخزينة الباكستانية . وقد وجدت الباكستان ،ان اتفاقا دفاعيا مع اغنى دولة في المنطقة ،سيوفر للجيش الباكستاني الامكانات المالية  الضرورية لتطوير اسلحته الاستراتيجية .

واجمالا ، فان حرص الباكستان على التقارب مع الدول الاسلامية ، انما يأتي في اطار جهود اسلام اباد ، لاقامة ” ناتو اسلامي ” ، لمواجهة الاخطار الناتجة عن  الحلف الهندي الاسرائيلي .

وهناك سبب آخر لانفتاح الباكستان عسكريا على الدول الاسلامية ، – بما فيها السعودية – ،  ويتجلى في الموقف العدائي الذي تتخذه واشنطن حتى اليوم من الحكومة الباكستانية . وقد وصل العداء الامريكي هذا الى حد، فرض عقوبات امريكية مشددة على الباكستان ، كان اخرها عام 2024، عندما اقرت  امريكا عقوبات مشددة على البرنامج الصاروخي الباكستاني .

ولا يمكن اغفال سبب اخر، دفع الحكومة الباكستانية الى اتباع سياسة  نشطة ضد تهديدات اسرائيل  للدول العربية ، وهو التضامن التاريخي التقليدي للشعب الباكستاني مع القضية الفلسطينية ، والذي لم يقتصر على مظاهرات التنديد فحسب ، بل تجلى ايضا في مشاركة الجيش الباكستاني الى جانب العرب ، في معظم الحروب التي حدثت في المنطقة ضد اسرائيل. هذه المشاعر الشعبية والرسمية  المعادية لاسرائيل في باكستان  ، سهلت على الحكومة الباكستانية التوقيع على معاهدة دفاع مشترك مع السعودية ـ التي تتعرض ليوم لتهديد اسرائيلي مباشر .

لهذه الاسباب مجتمعة ،قررت الحكومتان السعودية والباكستانية  ،التوقيع على اتفاق دفاعي مشترك ، ستكون له مفاعيل كبيرة على التطورات في المنطقة والعالم .

19/9/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − ثمانية عشر =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube