https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

كثر مؤخرا الحديث عن تجربة سنغافورة التنموية ، ومدى استفادة سوريا منها .وازعم ، انني اعرف بعض جوانب هذه التجربة ،  التي سأرويها بعجالة  للسادة القراء . ومعرفتي بسنغافورة ، بدأت من اهتمامي الصحفي  خلال اربعة عقود . فقد زرت ذلك البلد عدة مرات ، والتقيت صانع نهضته الحديثة لي كيوان يو عدة  مرات ، ونشرت مضمون هذ اللقاءات في كتاب صدر لي قبل ثلاث سنوات عنوانه ” لقاءات مع قادة من آسيا ” . اضافة الى انني كتبت كثيرا من المقالات عن سنغافورة وصانع معجزتها .

من العدل ان اشير الى ان هذا البلد الاسيوي قد انجز معجزة حقيقية تجلت ،في انتزاع الشعب السنغافوري من براثن التخلف والمخدرات والصدامات الوطينة . وقد تمكن السنغافوريون من بناء دولة متقدمة من الطراز الاول  في العالم  .ولن اتحدث عن ذلك ، لانني كتبت كثيرا عن انجازات سنغافورة ، كما ان اجهزة الاعلام والتواصل الاجتماعي تعج بمواد مماثلة.

اريد ان  ألفت الانتباه الى بعض النقاط التي  تغيب – عادة – عند الحديث عن التجربة السنغافورية .

اولى هذه التقاط ، هي  ،ان الرئيس لي استمر في الحكم طيلة ثلاثيتن عاما ، وانه قد عين احد ابنائه رئيسا للوزراء ، والابن الاخر زعيما للمعارضة ، وذلك من اجل – كما قال ليو –  توفير  الظروف اللازمة للاستقرار، وضبط مسار التنمية وضمان عدم انحرافها وانهيارها . ولما سألته عن ذلك اجاب :وما الغريب في الامر ، اذا كان الهدف الاساسي هو عدم الاثراء الشخصي للحاكم، و تنمية البلاد وتحسين ظروف معيشة الشعب ،والتصدي الدائم للفساد ( هو صاحب مقولة ، ان غسل سلم الفساد يبدأ من الاعلى وليس من الدرجات السفلية ). وللحقيقة اقول ، انه قد التزم بذلك .

النقطة الثانية ، ان الزعيم ليو كان ينظر بشك عميق الى الديمقراطية الغربية ، وان الغرب قد اتهمه مرارا بالتعدي على حقوق الانسان . صحيح ان ليو قد اشاد نظاما ديمقراطيا برلمانيا على النمط الغربي ، ولكن الصحيح ايضا ،انه قد اسس حزبا لا يزال يحكم حتى الآن ، وانه قد قلص الحريات العامة ،بما في ذلك حرية اجهزة الاعلام المحلية ،وفرض انضباطا  غير مسبوق في عمل اجهزة الدولة  وموظفيها . وحسب وجهة نظره ، فان السنغافوريين لا يملكون ترف هدرالوقت على الثرثرة السياسية والصدامات الحزبية  الفارغة ، وان المطلوب العمل ،والعمل المستمر والجاد ، الذي يفضي الى انجازات  تخدم مصلحة الشعب .

النقطة الثالثة التي وددت ان اشير اليها حول التجربة السنغافورية هي ، ان قيادة ذلك البلد ، قد وازنت  – آنذاك –بدقة بين النفوذين الصيني والامريكي والغربي عامة ، وتمكنت من تحويل هذا البلد الصغيرالى نقطة التقاء بين الدول الكبرى ،  وليس الى جبهة صدام بينها ، عبراعتماد سياسة عدم الانحياز الفعلي ، ومد الجسور مع الجميع . وقد ساعدها في ذلك ، ان سنغافورة لم تكن تعاني من كيان عدواني طامع ومحتل مثل اسرائيل . ثم ان امريكا  كانت مختلفة عن امريكا ترامب اليوم . وكانت الصين مشغولة في تنمية نفسها .باختصار ، كان الظرف الدولي مغايرا ومشجعا على التعاون  ،ولا يعاني من موجات التوتروالجنون وعدم العقلانية  ،التي  تجتاح العالم الآن .

هذه النقاط يجب ان نأخذها بعين الاعتبار لدى الحديث عن التجربة السنغافورية ، وان لا نكتفي فقط  ،بايراد ارقام النمو  المذهلة الت حققها هذا البلد الآسيوي الصغير .

15/4/2025

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 3 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube