https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

كتب محمد خير الوادي :

في تموز المقبل ، سيحتفل مهاتير محمد زعيم ماليزيا ،وباني نهضتها الحديثة ،بذكرى ميلاده المائة .والشيء المدهش في هذا الرجل ، انه وهو في هذا العمر المتقدم  ، الف كتابا  جديدا بعنوان ” التقاط الامل ..الكفاح مستمر من اجل ماليزيا جديدة” . تحدث فيه عن تجربته اثناء الخروج من الحكم  وحتى الوقت الحالي.

اتاح لي عملي الصحفي والدبلوماسي اللقاء مع مهاتير محمد عدة مرات في ماليزيا وخارجها . وكتبت عن بعض هذه اللقاءات في الكتاب الذي نشرته بعنوان : ” لقاءات مع قادة من آسيا “. وساتحدث في هذه المقالة – على عجالة – حول اهم الاراء التي طرحها والتزم بها مهاتير ، خلال رحلته السياسية الطويلة ، والتي اثمرت عن نقل بلاده من التخلف والتوترات القومية ، الى وضع، اصبحت في ظله  واحدا من نمور آسيا الكبار .

اولا موقف مهاتير من الاسلام .

اخبرني مهاتير ، ان زيارته لدمشق في خمسينات القرن الماضي ، قد ساعدته في تكوين فهم صحيح  للدين الاسلامي . قال لي مهاتير : ”  لقد وجدت – وكنت طالبا انذاك – في زيارتي لدمشق في خمسينات القرن العشرين ،الاجوبة الشافية التي بحثت عنها . فقد دهشت عندما رأيت ضريحا لاحد انبياء المسيحيين في قلب الجامع الاموي ، وشاهدت كيف تتجاور المساجد والكنائس ، وقيل لي آنذاك ، ان رئيس وزراء سورية  البلد المسلم ،كان مسيحيا.  اولا ، وثانيا – والكلام لمهاتير – لمست حب الدمشقيين للعمل والنظافة   ،وحرصهم على الانتاج والحد من الهدر والاسراف ”  . وقد استنتج مهاتير من زيارته هذه حلولا عملية للتوترالقومي الدموي الذي كان يجتاح  ماليزيا ، وكان الحل عبر تطبيق مبدأ التسامح والسلم الاهلي بين مختلف مكونات الشعب الماليزي القومية والدينية  ( 70 % من الملاوي المسلمين ، 25  % صينيون  ،5 % هنود بوذيون ). كما  سارع الى تطبيق مبدأ اسلامي آخرهو، الحث على العمل و طلب العلم وعدم الاسراف.وقد شاهدت كيف دمج مهاتير هذه المباديء الاسلامية  بالعملية التنموية هناك . ففي كل المعامل  والمؤسسات التي زرتها ، كانت تعلق على الجدران ، ايات قرآنية واحاديث نبوية باللغتين الملاوية والعربية ، تحث على جودة العمل والاخلاص فيه والحد من الهدر والاسراف ، وتدعو الى النظافة والمعاملة الحسنة وعدم الغش .

وقد جاء في الدستور الماليزي : ان الاسلام هو دين الدولة ، وان لبقية الاديان الحق في ممارسة الشعائر الخاصة بها .والشيء الذي انفرد به مهاتير ، هو انه لم يطبق شكلا للحكم   الاسلامي ، ولم يسعى الى تطبيق الشريعة الاسلامية على المجتمع ،بل اكتفى باستلهام قيم الاسلام السمحاء وبثها ونشرها في الحياة والمجتمع الماليزي .

وقد اكد مهاتير اكثر من مرة ، ان الدين الاسلاميلا يعني التخلف ، وهو بعيد عن العنف والارهاب ، وان مشكلة ماليزيا كانت في التفسيرات الخاطئة  لبعض رجال الدين للاسلام  ، وفي التعديات الغربية على هذا الدين . ولذلك التقى مهاتير  مرارا برجال الدين المسلمين في ماليزيا ، وتمكن من اقناعهم بصياغة نهج جديد في الوعظ الديني ، ينطلق من قيم الاسلام النبيلة والعظيمة . واعتبر مهاتير – كما كتب : ان “الوضع البائس الذي يعيشه المسلمون اليوم، راجع جزئيا إلى عدم قيامهم بشيء، أو قيامهم بشيء ضئيل للغاية، وشدد على أن الأمة مطلوب منها أن تبذل كل جهدها في مساعدة نفسها، ثم بعد ذلك تلجأ بالدعاء إلى الله تعالى بالنصر والتمكين والعون “.

ثانيا :الخبرة التنموية الماليزية في ظل مهاتير .

كان مهاتير مقتنعا ، ان التنمية تستند الى اعمدة رئيسية هي: العدالة في توزيع الثروات ، والتركيز على التعليم ، ومكافحة الفساد ، واستثمار الخبرات والكوادر الوطنية  والاستقرار .

وركز مهاتير على التعليم ، حيث خصص له  ربع  ميزانية ماليزيا السنوية ، وفتح عشرات الجامعات ومراكز البحوث ، وقدم المساعدات والمنح  للطلاب الفقراء ، وشجعهم على االدراسة والبحث العلمي ، وارسل عشرات الالاف منهم الى اليابان خاصة وبعض الدول الغربية . كما اهتم مهاتير بتحويل ماليزيا من بلد يعتمد على الزراعة ، الى بلد صناعي متقدم ، وفي هذا المجال ، أ شاد اربعة  مصانع ضخمة للفولاذ والإسمنت والتعليب وصفائح القصدير، ومصنعا للسيارات نجح في إنتاج أول سيارة ماليزية خالصة باسم بروتون  ،وآخر للطائرات . وقد استوعبت هذه المصانع وتفرعاتها 40% من العمالة المحلية.

كما اشرف مهاتيرعلى بناء أكثر من 15 ألف مشروع صناعي ، برأس مال إجمالي وصل إلى 220 مليار دولار، وفّرت مليوني فرصة عمل للشعب الماليزي.ورسخ مهاتير مبدا الانضباط الوظيفي ، وكان قدوة في ذلك . فعندما استقبلني في مكتبه ، كان الوقت الساعة السادسة صباحا . واخبرني ، انه يوم عمله يبدأ الساعة الخامسة والنصف صباحا بالاتصال مع كل الوزراء ، في مكاتبهم  ، ووحد لباس كبار المسؤوليين ، وكان يكتب على صدر كل مسؤول اسمه . كما استعان مهاتير بخدمات المسؤولين  السابقين ، ولم يسرح احدا من الكوادر القديمة ، وهو امرعزز الاستقرار والثقة في جهاز الدولة ..

ثالثا: التوجه الخارجي لمهاتير : كان  موقف مهاتير حيال الغرب ينطوي على كثير من الشك والريبة وحتى العداء الضمني  . وقد اخبرني ، كيف تآمر الغرب على نمو ماليزيا عام 1997 ، وحاول تدمير اقتصادها ، وكيف ان امريكا قد حجبت الكلمة السرية عن طائرات الاف 16  التي اشترتها ماليزيا من امريكا . واضاف مهاتير : تصور اننا لم نكن قادرين على استعمال تلك الطائرات في العمليات الحربية ، وكنا  مضطرين للحصول على الكلمة السرية من امريكا عند كل طلعة طيران .ولذلك اعلن مهتير نوجهه نحو الشرق  ،خاصة اليابان وكوريا الجنوبية ، وفيما بعد نحو الصين . وتمكن من الحصول على الاستثمارات والتقانة المتطورة من تلك البلدان للنهوض بالبلاد .
هناك الكثير من  التفصيلات الممتعة والمفيدة ، المتعلقة بحياة  مهاتير الطويلة  ،والحافلة باحداث وانجازات وانتكاسات كثيرة . ورغم ذلك كله ، يبقي مهاتي محمد الذي يشارف الان على المائة عام من عمره ، واحدا من اكبر عمالقة السياسة الدولية ، وابرز قادة العالم  ،الذين تركوا بصمات كبيرة في تطوير بلدانهم وشعوبهم .

25/4/2025

 

مليزيا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × 4 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube