https://alwadiforasianstudies.com/wp-content/uploads/2020/07/CAC.png

​ تشهد الساحة الدبلوماسية الدولية تحركات متسارعة نحو الاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة يُتوقع منها أن تُحدث تأثيرًا في شبكة العلاقات الدولية لإسرائيل، وتُفاقم الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو لوقف عدوانها المستمر على قطاع غزة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وقد أعلنت 15 دولة غربية، من بينها فرنسا وبريطانيا وهولندا، أنها تدرس الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، وذلك في أثناء انعقاد الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في أيلول/ سبتمبر 2025. واعتبرت هذه الدول، في بيان مشترك، أن الاعتراف بدولة فلسطين يمثّل “خطوة أساسية نحو حل الدولتين”، داعيةً بقية الدول إلى تبنّي هذا التوجه، في تحوّل واضح في مواقف كبرى الدول الأوروبية من القضية الفلسطينية.

بداية التحول في المواقف الأوروبية

 

على الرغم من ظهور مؤشرات واضحة على وجود تحولات في المواقف الأوروبية من العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ منتصف عام 2024، فإن هذه التحولات اكتسب زخمًا أكبر بعد خرق إسرائيل للهدنة الأخيرة التي جرى التوصل إليها في 19 كانون الثاني/ يناير 2025، واستئناف عدوانها، بعد شهرين، في 19 آذار/ مارس، في ضوء تفاقم الوضع الإنساني، وتواتر التقارير الحقوقية عن التجويع الممنهج الذي تقوم به، واستهداف مباشر للنساء والأطفال. وقد تسببت هذه الممارسات الإسرائيلية، التي بلغت مستوى غير مسبوق من امتهان كرامة الإنسان وتجويعه عبر طريقة توزيع المساعدات واستهداف تجمعات المدنيين الساعين للحصول عليها، في نشوء ضغوط داخلية متصاعدة ألجأت حكومات أوروبية عديدة إلى الخروج عن صمتها، والبدء في استخدام لهجة أكثر حدة في التعامل مع إسرائيل، تجاوزت حدود “الدعوات لضبط النفس”، لتشمل تهديدات مباشرة باتخاذ إجراءات عقابية، فأعلنت بريطانيا وفرنسا وكندا على نحو مشترك، في 19 أيار/ مايو 2025، أنّ مواصلة إسرائيل لحصار غزة ومنع دخول المساعدات “يشكّلان انتهاكًا للقانون الإنساني الدولي”، ولوّحت بفرض عقوبات على المسؤولين الإسرائيليين، في سابقة هي الأولى من نوعها في التعامل مع إسرائيل[1]، في حين ذهبت إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال خطوةً أبعد منذ ذلك باستدعاء سفرائها من تل أبيب، وأعلنت بلجيكا وإسبانيا إلغاء اتفاقيات عسكرية وتجارية سابقة مع إسرائيل، وطالبتا بإعادة النظر في اتفاقية الشراكة الأوروبية – الإسرائيلية التي تتيح لإسرائيل امتيازات تجارية ضمن السوق الأوروبية. وبلغ التحرك الأوروبي ذروته بإعلان الرئيس الفرنسي، ماكرون، في 24 تموز/ يوليو 2025، عبر منصة “إكس”، أن فرنسا ستكون أول دولة من بين مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي تعلن رسميًا اعترافها بدولة فلسطين خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر، وذلك في إطار مساعٍ تقودها باريس لإحياء مسار التسوية السياسية وتحقيق السلام في المنطقة[2]. وقد قابلت إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية هذه المبادرة بانتقادات شديدة[3]، نظرًا إلى الثقل الأوروبي الذي تمثله فرنسا، علمًا أن أربع دول أوروبية، هي إسبانيا والنرويج وإيرلندا وسلوفينيا، كانت قد اعترفت بدولة فلسطين في أيار/ مايو 2024. وبالفعل، شكّل إعلان ماكرون ضغطًا على بقية دول مجموعة السبع الكبرى لاتخاذ مواقف مماثلة، فأعلن رئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، عزم المملكة المتحدة على الاعتراف بدولة فلسطين، ما لم تلتزم إسرائيل بإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة ووقف العمليات العسكرية ضد المدنيين الفلسطينيين[4]. وقد تبعت هذا الموقف سلسلةٌ من التحولات التدريجية في مواقف عدد من الحلفاء الغربيين التقليديين لإسرائيل، من بينهم كندا وهولندا، في ما يمكن اعتباره استجابة متصاعدة للضغوط السياسية والأخلاقية الناجمة عن الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة.

إعلان نيويورك: نداء جماعي للاعتراف بدولة فلسطين

 

جاءت الخطوات الدبلوماسية الغربية الأخيرة، وفي مقدّمتها إعلان فرنسا وبريطانيا عزمهما الاعتراف بدولة فلسطين، في تحركات استباقية لمؤتمر الأمم المتحدة الذي عُقد في نيويورك في الفترة 28-30 تموز/ يوليو 2025، بهدف إحياء الزخم الدولي نحو حلّ الدولتين، والذي أنهى أعماله بإصدار وثيقة حملت اسم “إعلان نيويورك”، وقّعت عليها 17 دولة، إلى جانب جامعة الدول العربية، والاتحاد الأوروبي[5].

 

تضمن “إعلان نيويورك” خطة تدريجية لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني، ووقف الحرب على غزة، واقترح إنشاء دولة فلسطينية مستقلة منزوعة السلاح، تعيش في سلام إلى جانب إسرائيل. ودعا إلى أن تتخلّى حركة المقاومة الإسلامية “حماس” عن الحكم، وأن تنزع سلاحها، على أن تُنقل السلطة في غزة إلى السلطة الفلسطينية، بدعم ومشاركة دوليَّين، في إطار مرحلة انتقالية تهدف إلى تمكين الفلسطينيين من بناء دولتهم المستقلة. وتضمّن كذلك إدانة صريحة لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وللعمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين والبنية التحتية المدنية في قطاع غزة، بما في ذلك الحصار المفروض، وسياسات التجويع، التي ساهمت في تفاقم الكارثة الإنسانية، حتى بلغت حد المجاعة[6].

 

عقب اختتام أعمال المؤتمر، أعلنت خمس عشرة دولة عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، ووجّهت نداءً جماعيًا دعت فيه الدول التي لم تتخذ بعد هذا القرار إلى الانضمام إلى هذا التوجه، في تحرّك اعتبره وزير الخارجية الفرنسي “موقفًا سياسيًا جماعيًا متقدّمًا” في سياق التحولات الجارية في المواقف الغربية تجاه القضية الفلسطينية[7]. وقد شمل الموقّعين على النداء دولًا عديدة من بينها فرنسا وكندا وأستراليا، إضافةً إلى أندورا وفنلندا وآيسلندا وإيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا[8]. وعُدّ هذا النداء تتويجًا للمساعي السياسية التي بُذلت خلال مؤتمر نيويورك، وامتدادًا لتنامي الإدراك الدولي المتمثل في أنّ استمرار الوضع القائم – ولا سيما في ظل الحرب الجارية على غزة – لم يعد مقبولًا سياسيًا ولا أخلاقيًا، وأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية بات شرطًا ضروريًا لإعادة تفعيل مسار سياسي ذي صدقية.

دوافع التوجه نحو الاعتراف بدولة فلسطينية

 

يمكن فهم دوافع الزخم الدبلوماسي المتصاعد نحو الاعتراف بدولة فلسطينية في ضوء مجموعة من العوامل، في مقدّمتها المجاعة التي يشهدها قطاع غزة، وسياسات الاحتلال الهادفة إلى إحكام الحصار عليه، والتي أفضت إلى أوضاع إنسانية كارثية، أثارت استياءً عالميًا متزايدًا، ولم يعد ممكنًا تجاهلها. فبحسب بيان مشترك صادر عن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، وبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن قطاع غزة يواجه خطر المجاعة الشديد، في ظل تدهور غير مسبوق، على غرار ما يُتَبيَّن من خلال مؤشرات استهلاك الغذاء والتغذية منذ بدء الحرب، وذلك استنادًا إلى أحدث تصنيفات “الإنذار المبكر للأمن الغذائي”. فقد أدت الحرب المتواصلة، وانهيار الخدمات الأساسية، والقيود المشدّدة المفروضة على إيصال المساعدات الإنسانية وتوزيعها، إلى خلق أوضاع كارثية في مجال الأمن الغذائي، شملت السكان في مختلف أنحاء القطاع. وشهد مؤشر استهلاك الغذاء تراجعًا حادًّا، زامنه ارتفاع ملحوظ في معدلات سوء التغذية الحادّة، كما وردت تقارير متزايدة عن وفيات ناجمة عن المجاعة، في حين جرى إدخال نحو 20 ألف طفل في غزة إلى المستشفيات، منذ نيسان/ أبريل 2025، بسبب سوء التغذية الحادّ، وبات من الواضح أن قطاع غزة يرزح تحت وطأة المجاعة، في ظل منع وصول الغذاء إلى الغزيين، نتيجة السياسات الإسرائيلية الهادفة إلى معاقبتهم وإبادتهم جماعيًا[9].

 

وبعد مرور أربعة أشهر على انهيار وقف إطلاق النار، وإغلاق المعابر المؤدية إلى القطاع، واستئناف إسرائيل عملياتها العسكرية، وسعيها لإعادة تشكيل نظام المساعدات الدولية من خلال ترتيبات إمداد بديلة، بهدف إخضاع حركة حماس، ودفعها إلى الموافقة على شروطها، تفاقمت الأزمة الإنسانية في القطاع على نحو خطِر، ما أثار موجةَ استنكارٍ دولي واسع. وفي 26 تموز/ يوليو، أعلن الاحتلال الإسرائيلي عن عزمه إسقاط مساعدات غذائية جوًّا بالمظلات داخل القطاع، وتطبيق “هدنات إنسانية” يومية في مناطق محددة تُعدّ خالية من السكان، وذلك لإتاحة مجالٍ لدخول قوافل الإغاثة الدولية[10]. وقد جاء هذا القرار تحت وطأة الضغوط المتزايدة، بما فيها اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوجود “مجاعة حقيقية” في القطاع بعد أن أنكر وجودها عدة مرات[11].

 

ومنذ أواخر أيار/ مايو 2025، تولت مؤسسة “غزة الإنسانية” GHF، وهي منظمة تحوم حولها شبهات متعددة، عملية توزيع الغذاء من خلال أربعة مراكز تقع داخل مناطق يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وتُديرها شركات أمنية أميركية خاصة؛ وقد أدى هذا التغيير إلى تباطؤ شديد في تدفق المساعدات الإنسانية. وعلاوة على ذلك، لقي مئات الفلسطينيين مصرعهم على الطرق المؤدية إلى تلك المراكز، إمّا نتيجةً لإطلاق قوات الاحتلال النار، أو بسبب التدافع والدهس في أثناء انتظارهم الحصول على الغذاء.

 

وفي 21 تموز/ يوليو 2025، أصدرت 28 دولة، من بينها أستراليا والمملكة المتحدة وفرنسا، بيانًا مشتركًا دانت فيه “القتل اللاإنساني للمدنيين، بمن فيهم الأطفال، في أثناء سعيهم لتلبية احتياجاتهم الأساسية من الماء والغذاء”، مؤكدةً أن نموذج توزيع المساعدات، الذي تسيطر عليه إسرائيل، يهدّد كرامة سكان القطاع ويعزز الأزمة الإنسانية. وحذّر البيان إسرائيل من أن هذه الدول “مستعدة لاتخاذ المزيد من الإجراءات لدعم وقف فوري لإطلاق النار ومسار سياسي نحو الأمن والسلام للإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة بأسرها”[12].

 

في هذا السياق، يمكن فهم الحراك الأوروبي للاعتراف بدولة فلسطين بوصفه نتاجًا لجملة من الدوافع المتشابكة، يأتي في مقدّمتها تصاعد ضغط الرأي العام المحلي الغاضب من سياسات التجويع والدمار التي تنتهجها إسرائيل في القطاع. فقد شهدت عواصم ومدن أوروبية مظاهرات يومية تطالب بوقف الإبادة الجماعية للفلسطينيين؛ ما فرض على حكومات تلك الدول ضرورة بلورة مواقف سياسية أكثر وضوحًا وحزمًا أمام شعوبها. ويُضاف إلى ذلك شعورٌ متزايد بالعجز، وخصوصًا مع فشل المجتمع الدولي في فرض وقفٍ لإطلاق النار، أو الدفع بمسار سياسي ذي جدوى. ويعزز هذا الحراك، أيضًا، القلق الأوروبي المتنامي الناتج من ممارسات الحكومة الإسرائيلية في توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والاعتداءات المتكررة على الحرم القدسي الشريف وهجمات عصابات المستوطنين اليومية على قرى فلسطينية[13]، ومِن نيات حكومة نتنياهو ضمّ أجزاء واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة أيضًا؛ ما من شأنه أن يقوّض نهائيًا أيّ أفق لحل الدولتين. وقد تزامنت أعمال الإبادة الجماعية في غزة مع تصعيد موازٍ في الضفة؛ تمثّل في توسّع الاستيطان، وارتفاع وتيرة عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين[14]، فضلًا عن نقل صلاحيات إدارة الضفة من الجيش إلى السلطات المدنية الإسرائيلية، في خطوة تُفسَّر على نطاق واسع بأنها تمهيد فعلي للضم الكامل[15]. وبالنظر إلى هذه المعطيات، يبدو أن الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين في هذا التوقيت يعبّر عن مستوى الحرج السياسي الذي باتت تعيشه الحكومات الأوروبية، ولا سيما مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في غزة، حيث يواجه المدنيون، وخصوصًا النساء والأطفال، الموت البطيء والجوع الممنهج. وتطالب قطاعات شعبية متزايدة في أوروبا باتخاذ مواقف صارمة إزاء الإبادة الجماعية وانتهاك القانون الدولي الإنساني اللذين تمارسهما إسرائيل.

 

ويعكس هذا التحوّل في المواقف الأوروبية إدراكًا متأخرًا لخطورة الانزلاق نحو واقع لا رجعة فيه من الاحتلال الدائم، والتجويع الجماعي، والتدهور الإقليمي، الذي من شأنه أن يهدّد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

مغزى الاعتراف بدولة فلسطين ودلالته

 

يثير إعلان أكثر من 15 دولة عزمها الاعتراف بدولة فلسطينية تساؤلات حول مغزى هذا الاعتراف وما يمكن أن يترتب عليه فعليًا. فعلى الرغم من أن الاعتراف الفرنسي والبريطاني، خصوصًا، في حال تحقّقه، سيحمل دلالة رمزية كبيرة، فإنه مشروط بجملة من المطالب التي تُفرغه إلى حدّ بعيد من مضمونه السياسي. ومن بين أبرز هذه الاشتراطات، إبعاد حركة حماس، ونبذ خيار المقاومة، ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية، ثمّ إنّه لا يطالب إسرائيل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، أو الالتزام بوقف الاستيطان، أو القبول بحدود واضحة وفق المرجعيات الدولية. وبهذا المعنى، فإن الدولة التي يُفترض أن تعترف بها فرنسا وبريطانيا وغيرهما من الدول تبقى كيانًا نظريًّا فاقدًا للسيادة الفعلية على الأرض التي يتوسع فيها الاستيطان الكولونيالي، وربما يتطابق مع السلطة الفلسطينية المحدودة الصلاحيات، بحيث يتحول إلى مجرد تغيير في تسميتها، إضافة إلى منحها العضوية الكاملة في الأمم المتحدة؛ وحتى هذا ليس مرجّحًا، لأن الولايات المتحدة قادرة على ممارسة حق النقض “الفيتو” ضد منح فلسطين العضوية الكاملة.

 

بهذا المعنى، يظل هذا الاعتراف خطوة أولى لا تكتسب معناها الكامل، إلا إذا اقترنت بإجراءات فعلية تعالج قضايا السيادة، وأهمها إزالة الاحتلال ومستوطناته. ولا ينعكس هذا الاعتراف على حياة الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، وقد يكون بديلًا من ممارسة ضغط حقيقي لوقف الحرب؛ بفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات فعلية على إسرائيل مثلًا، أو وقف الامتيازات التي تحظى بها على الأقل على مستوى الشراكة معه. ومع ذلك، سوف يتجلى أثره الأبرز في الساحة الدولية من خلال تداعيات محتملة على علاقات إسرائيل الخارجية.

فالاعتراف بالدولة الفلسطينية يُقرّ بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، ويمثّل رفضًا واضحًا للسياسات والممارسات الإسرائيلية التي تقوّض هذا الحق. ومن بين أبرز ما قد يترتب على هذا الاعتراف، وفقًا لخبراء القانون الدولي، أنه يوفّر أساسًا قانونيًا لمراجعة شاملة للعلاقات الثنائية مع إسرائيل؛ إذ يُحمّل الدول التي تعترف بدولة فلسطين التزامًا قانونيًا بعدم دعم الاحتلال الإسرائيلي بأيّ شكل من الأشكال، واحترام القانون الدولي الإنساني وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة. وعلى الرغم من أن هذه الالتزامات كانت قائمة من حيث المبدأ، فإن الاعتراف يجعلها أكثر وضوحًا وإلزامًا من الناحية القانونية.

وبالنسبة إلى الدول التي تُقرّ بدولة فلسطين، يُفترض أنْ تُعيد النظر في الاتفاقيات المبرمة مع إسرائيل، بما يضمن انسجامها مع التزاماتها تجاه الدولة الفلسطينية، ويشمل ذلك الجوانب السياسية والسيادية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والمدنية. ومن الناحية العملية، يُشكّل الاعتراف قاعدة يُمكن أن يستند إليها المجتمع المدني والمشرّعون في الدول المُعترِفة، لممارسة ضغوط متزايدة لتعديل السياسات الحكومية ومواءمتها مع مقتضيات الاعتراف.

خاتمة

لم يعُد الاعتراف بدولة فلسطين يمثّل خطوة تضامنية رمزية مع الشعب الفلسطيني فحسب، بل بات يُنظر إليه اليوم بوصفه أداة ضغط سياسي على إسرائيل، تهدف إلى دفعها نحو الانخراط في مسار تسوية لإنهاء الحرب المستمرة، في ظل انسداد الأفق السياسي وفشل المساعي الدبلوماسية في إيقافها. وتكتسب إعادة طرح القضية الفلسطينية في أروقة الأمم المتحدة بُعدًا رمزيًا بالغ الدلالة؛ فمهما تكن نتائج ما سيجري في أيلول/ سبتمبر، فإنّ ثمة أمرًا واضحًا مؤداه أن فلسطين – سواء نالت عضوية الأمم المتحدة أم لا – فإنها باتت تحظى باعترافٍ شبه جماعي بها من الدول الأعضاء، وهو ما يُعدّ تأييدًا واسع النطاق للحقوق الفلسطينية. ومع ذلك، تظلّ ثمة هوة شاسعة بين الاعتراف، بوصفه موقفًا سياسيًا وإقرارًا بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، من جهة، والعجز عن التصدي للجرائم الإسرائيلية، واتخاذ موقف جِدّي يلزم دولة الاحتلال بوقف الإبادة المستمرة في قطاع غزة، ولا يلزمه الاعتراف بـ “دولة”، من جهة أخرى.

المركزالعربي لابحاث السياسات

[1] “Joint Statement from the Leaders of the United Kingdom, France, and Canada on the Situation in Gaza and the West Bank,” GOV.UK, 24/5/2024, accessed on 3/8/2025, at: https://acr.ps/1L9zSc3

[2] Matthew Hay Brown, “France will Recognize a Palestinian State, Macron Says France will Become the Largest Western Power and the First Member of the G-7 to Recognize Palestinian Statehood,” The Washington Post, 24/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/bj19j3

[3] John Irish, “French Plan to Recognise Palestinian State Draws Fire from Israel, US,” Reuters, 25/7/2025, 3/8/2025, at: https://n9.cl/dv4nb

[4] Andrew Macaskill & William James, “UK Plans to Recognise Palestinian State in September Unless Israel Takes Action,” Reuters, 29/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/0erw4j

[5] Sara Leykin, “Reviving the Two‑State Solution: The UN Conference and The Recognition of Palestine,” ISPI Online, 31/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/rl1w2

[6] “New York Call – Joint Statement of the Ministers of Foreign Affairs,” Global Affairs Canada, 30/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/bsoy5r

[7] Andrew Roth, “Canada to Recognise Palestine at UN General Assembly, Joining France and UK in Push for New State,” The Guardian, 30/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/3fcb3

[8] “New York Call – Joint Statement of the Ministers of Foreign Affairs,” Global Affairs Canada, 30/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/bsoy5r

 

[9] “UN Agencies Warn Key Food and Nutrition Indicators Exceed Famine Thresholds in Gaza,” Food and Agriculture Organization of the United Nations, 29/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/6s5yv

el’s Military Says Airdrops of Aid will Begin in Gaza as Hunger Grows,” Politico, 26/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/u1477x

[11] “Famine in Gaza Shows the Failure of Israel’s Strategy,” The Economist, 31/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/9bglj

[12] Pippa Crerar & Sammy Gecsoyler, “UK Condemns Israel for Depriving Palestinians of ‘Human Dignity’,” The Guardian, 21/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/7wkan0

[13] “Israel Ramps Up Settlement and Annexation in West Bank with Dire Human Rights Consequences,” Office of the United Nations High Commissioner for Human Rights, 18/3/2025, accessed on 36/8/2025, at: https://bit.ly/4mu2sN4

[14] Ephrat Livni, “Britain and France Have Pledged to Recognize a Palestinian State: What Would It Mean?” The New York Times, 29/7/2025, accessed on 3/8/2025, at: https://n9.cl/qg8fq

[15] “تغيير البنية الهيكلية للإدارة المدنية العسكرية: الآثار والسيناريوهات”، منظمة التحرير الفلسطينية – هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، شوهد في 3/8/2025، في: https://n9.cl/u07ch

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان + 18 =

Share via
Copy link
Powered by Social Snap
Visit Us On TwitterVisit Us On FacebookVisit Us On Youtube