
كتب محمد خير الوادي :
انتهت امس في الرياض اول مفاوضات مباشرة بين الروس والامريكان حول الازمة الاوكرانية . ولا بد من تسجيل الملاحظات الشخصية التالية على هذه الجولة :
اولا : من من الجانب المهني : كان الوفد الروسي مدججا بالكفاءات السياسية والخبرات والدبلوماسية ، والتي راكمها كل من لافروف واوشاكوف على امتداد ثلاثة وثلاثين عاما . بينما لم تتجاوز خبرة اعضاء الوفد الامريكي، مارك روبيو ومايك والترز في المناصب السياسية ثلاثة وثلاثين يوما . ولنا ان نتصور طبيعة الحوار الذي جرى ، والذي –كما اتصور – لم يخرج عن حوار بين استاذ وتلميذ .
ثانيا : جاء الوفد الامريكي محملا بتوجيهات ” السيد الرئيس ترامب ” حول ضرورة انهاء سفك الدماء في اوكرانيا، دون ان يملك هذا الوفد اي تصور عملي لانهاء الازمة اواية قاعدة تنطلق منها المفاوضات .اي ان الامريكيين جاءوا بحقيبة مفاوضات فارغة وهو ما منح الجانب الروسي فرصة ثمينة ، وان يأخذوا المبادرة لمليء هذه الحقيبة باقتراحات مدروسة ،حول البدء بتطبيع العلاقات، واعادة فتح القنوات الدبلوماسية التي اغلقت ، والغاء العقوبات ، والتعاون والتنسيق بين ” الدولين العظميين ” لحل مشكلات العالم – بما فيها المشكلة الاوكرانية .
ثالثا : لم يكن الوفد الامريكي عديم خبرة فحسب ، بل كان مكبلا بقيدين فرضهما الرئيس الامريكي على وفده . اولهما : مفهوم ترامب الذي يتعامل مع العالم كمقاول عقاري، يرى ان حل الازمات يمكن ان يتم عبر عقد الصفقات المربحة التي تجلب مليارات الدولارات . والصفقة مع روسيا الغنية هي حلم كل مقاول . والقيد الثاني ، هي رغبة الوفد الامريكي في ارضاء الرئيس المغرم بحمل الالقاب وكيل المديح له . وحتي اشرح الفكرة ، فان الرئيس ترامب بات مقتنعا بانه صانع سلام ، وانه الرئيس الوحيد في العالم ،القادر على انهاء الازمة الاوكرانية ( بالمناسبة وزير الخارجية الامريكي كرر اربع مرات القاب ترامب هذه في حديثه لمحطة السي ان ان بعد انهاء جولة المفاوضات) . ومن الطبيعي في هكذا اجواء ، ان تغيب المهنية والمباديء ، وان يكون ارضاء الرئيس واشباع غروره هو الهاجس الاول للوفد الامريكي .
رابعا : يمكن ملاحظة رغبة الجانبين في استبعاد اوربا عامة واوكرانيا خاصة من هذه المفاوضات . فبما ان هذه المفاوضات – حسب ترامب – ستمهد لصفقة مربحة ، فان ثما رهذه الصفقة يجب ان تجنيها كل من امريكا وروسيا فقط .
خامسا : ومما يعزز هذا الانطباع هو وجود شخصين في الوفدين يعملان بالصفقات المالية ، ومقربان جدا من ترامب وبوتين . الشخص الاول هو كيريل دميتريف رئيس صندوق الثروة السيادية الروسي ، والثاني وستيف ويتكوف المبعوث الامريكي للشرق الاوسط (!) والمحاسب المالي لترامب .
واعتقد ، ان هذه الملاحظات تبين عمق الازمة التي تعاني منها ادارة ترامب ، والتي باتت تقدم الموالاة الشخصية ، على الكفاءة والخبرة عند تسلم المناصب الرئيسية في امريكا ترامب .
وملاحظاتي هذه ،لا تقلل ابدا من اهمية هذه المفاوضات ، والتي نتمنى جميعا ان تتكلل بالنجاح ، وان تنهي الازمة الاوكرانية وتعيد العلاقات الطبيعية بين روسيا وامريكا.
19/2/2025